۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل السادس والثلاثون

فی دفع شکی الثانی والثالث

قال:

«والقول بالظهور هیهنا إنّما یعنی به صیرورة المطلق متعینا بشیء من التعینات، وقد عرفت أنّ متعلّقات الإمکان بالطبع هی التعینات».

أقول:

هذا إشارة إلی ما ینحلّ به الشک الثانی والثالث، وذلک أنّ مرادهم بلفظ «الظهور» هیهنا، لیس معنی «الوجود» بأن یکون الشیء معدوما فوُجد، ولا أن یکون مخفیا عن المشاعر الحسیة فظهر؛ بل المراد بقول الظهور هیهنا: أنّ الهویة المطلقة، لمّا یلزمها الوحدة الحقیقیة الصرفة التی تأبی اعتبار النسب والإضافات، تنافی انتسابَ معنی الظهور وما یجری مجراه إلیها، لِما عرفت من اقتضائه التکثّر حتّی لو فرض أن تکون معروضة لأحد المتقابلین، وذلک بعد ملاحظة نسبة التقابل، فإنّما ینسب إلیها الخفاء لیس إلاّ کما عبّر عنه لسان الشریعة بقوله: «کنت کنزا مخفیا»(۱) وذلک لما فی معناه من اعتبار عدم الظهور الذی هو عبارة عن عدم الکثرة،وهذا إنّما یکون بعد تنزّلها « ولا تجافی فیها» عن صرافة إطلاقها واعتبار النسب فیها، فإنّه لا اعتبار للنسبة أصلاً فی تلک الحضرة کما عرفت غیر مرّة، فحینئذٍ ظهورها إنّما یکون تنزیلها عن صرافة إطلاقها ووحدتها، إلی الانتساب بالتقیدات والانصباغ بکثرة تعیناتها، فإنّ الحقائق إنّما تَظهر بمقابلاتها، وذلک لأنّ الظهور عند التحقیق، هو أن یتصوّر الظاهر بصورة أثره، فلابدّ هیهنا من متأثّر قابل فی مقابلته حتّی یؤثّر فیه ویتأثّر

۱ـ بحارالانوار، ج۸۴، ص۱۹۸.

(۱۶۷)

منه، فیظهر بصورته ویجعله مظهرا له، ولو تأمّل متأمّل یجد هذا الحکم مطّردا فی جمیع المراتب ؛ حتّی فی المحسوسات، فإنّ أشعّة الشمس مثلاً ما لم تصل إلی جرم کثیف یصلح لأن تکون مقابلاً لها ومتأثّرا عنها، لا تؤثّر فیه ولا تظهر بصورته من الألوان والأضواء، فإنّ الأجسام اللطیفة الشفّافة لیست قابلةً للإضاءة والتنویر، وکذلک فی الطبائع، فإنّه ما لم یحصل بینها فعل وانفعال، لم یتصوّر أن یظهر الفاعل بصورة منفعلة حتّی یحصل أمر ثالث غیر الفاعل والمنفعل، فیکون ذلک نتیجة الامتزاج، ولا یکون امتزاجا عقیما فاسدا.

ثمّ إنّ التعینات علی ما عرفت لمّا کانت هی المتعلّقات بالطبع للإمکان، فتکون معدومات بالذات، وتصلح حینئذ أن تکون مقابلات للوجود المطلق؛ حتّی تتأثّر منه فیظهر بصورتها.

فإن قلت: کیف یکون التعینات معدومات بالذات، فإنّها إنمّا تکون کذلک لو کانت مقتضیةً للعدم، وقد تقرّر أنّها فی ذاتها لا تقتضی الوجود ولا العدم.

قلنا: عدم اقتضائها الوجود، یکفی فی کونها معدومات بالذات، لأنّ تلک التعینات إذا لم تکن علّةً مقتضیةً للوجود، تکون معدومات بالنظر إلی ذواتها، ضرورة أنّ عدم علّة الوجود کافٍ فی علیة العدم، وإن کانت بالنظر إلی الخارج من ذواتها موجودات، لکن إذا قطعنا النظر عن ذلک الخارج فإنّما تستحقّ العدم، وهذا معنی قولنا: «إنّ العدم ذاتی للممکن». وإذا تقّرر هذا، ظهر اندفاع الشبهتین.

وأمّا الثانیة، فلأنّ الإیجاب والاقتضاء علی هذا التقدیر إنّما یکون بحسب هذه التعینات الإمکانیة التی هی المظاهر والمجالی للحقیقة، وذلک ظاهر لا حاجة إلی بیان زائد.

وأمّا الثالثة، فلأنّا نقول: إنّ ما نسب إلیه الظهور، هو تلک التعینات.

(۱۶۸)

فإن قلت: التعینات معدومة صرفة.

قلنا: إنّما تکون کذلک، لو اعتبر التعینات من حیث هی تعینات فقط، وأمّا إذا اعتبر من حیث أنّها أحوال للوجود مقارنة له ومظاهر یظهر بها، فلا، فإنّ تلک التعینات مأخوذة تارة من حیث أنّها کثرة حقیقیة، وحینئذ تکون معدومات صرفة، ومعتبرة أخری من حیث أنّها معروضة للوحدة، وبهذا الاعتبار موجودة، وحینئذ تصلح لأن ینسب إلیها الظهور وغیره من المعانی الوجودیة المقتضیة لأن تکون لها مَحالّ موجودة ، کالإیجاب والاقتضاء وغیرها.

(۱۶۹)