۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوحدة الحقیقیة الصمدیة والتعین الأوّل

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ الذات باعتبار اللاّ تعین المسمّاة ب «غیب الغیوب» تارةً، و«الهویة المطلقة» أخری، یمتنع أن یعتبر فیها أمرٌ یستلزم التعین والتقید ویستدعی التکثّر والتعدّد:

فأوّل ما اعتبر فیها من المعانی الوصفیة هی الوحدة الحقیقیة التی لا یتصوّر اعتبار الکثرة والمغائرة فیها بوجه من الوجوه، حتّی أنّ الکثرة لا تغایر الوحدة بالنسبة إلیها، وکذلک الوحدة لا تغایر الذات.

وتحقیق هذا الکلام ممّا سبق من أنّ الوحدة یطلق باعتبارین:

أحدهما، وهو الوحدة الذاتیة المطلقة(۱) التی لا یعتبر فی مفهومها ما یشعر بتعدّد الوجود والإثنینیة أصلاً، حتّی أنّ عدم اعتبار الکثرة لما فیه من الإشعار بمقابلتها للکثرة المستلزمة للإثنینیة، غیر معتبر فی مفهومها.

والثانی الوحدة الإضافیة النسبیة(۲) التی هی عبارة عن کون الشیء بحیث لا ینقسم إلی الأمور المشارکة من حیث هو کذلک، وهذا هو الذی یقابله الکثرة بالعرض أو بالذات، والمعتبر هیهنا هو الوحدة بالمعنی الأوّل، والهویة المطلقة عبارة عن الوحدة بها، فتکون الذات بهذا الاعتبار لها الإحاطة العامّة التی لا یشذّ عنها شیء من المراتب حتّی المحسوسات، فتلزمها بهذا الاعتبار النسبة العلمیة بحصول نفسها فی نفسها لنفسها.

ثمّ إنّ هیهنا نکتة تتضمّن فوائد لابدّ من الوقوف علیها، وهی أنّ للوحدة

۱ـ أی: المقام الأحدیة، فلا یکون للأسماء تعین ترتیبی.

۲ـ أی: المقام الواحدیة، فیکون للأسماء تعین ترتیبی.

(۱۳۲)

المعتبرة هیهنا اعتبارَین:

أحدهما، متعلّقه طرف بطون الذات وخفائها وهو اعتبار إسقاط سائر النسب والإضافات عنها، ویسمّی الذات به أحدا.

وثانیهما، متعلّقه طرف ظهور الذات وانبساطها واعتبار اثبات النسب والاضافات کلّها، ویسمّی الذات به واحدا، وبهذا الاعتبار یصیر الذات منشأ الاسماء والصفات، وذلک فی الواحد العددی ظاهر، فإنّه إذا اعتبر من حیث أنّه واحد من غیر أن یعتبر المبدئیة للأعداد، فهو الواحد المطلق الذی لیس فیه تعدّد النسب والاضافات، وإذا اعتبر من حیث أنّه مبدءٌ للأعداد حینئذ یصیر مبدءً للأسماء الغیر المتناهیة؛ مثل نصفیة الإثنین وثلثیة الثلاثة وربعیة الأربعة، وهکذا إلی غیر النهایة؛ إذ به یحصل له باعتبار کلّ مرتبة من المراتب العددیة نسبة واسم خاصّ لیس فیه شیء من هذه النسب والأسماء سوی محض الاعتبار.

إذا عرفت هذا فنقول: لا شک أنّ طَرَفی بطون الذات وظهورها إنّما یتمایزان بحسب المدارک والمشاهد وظهورها لها باعتبار وخفاؤها عنها بآخر، حتّی یسمّی بالأوّل ظاهرا وبالآخر باطنا. وأمّا بالقیاس إلی الذات نفسها، فلا ظهور علی بطون ولا بطون علی ظهور.

فقد علم بذلک: أنّ الوحدة بالنسبة إلی الذات لا تمایز بین اعتبارَیها أصلاً، حتّی لا یتمیز مسمّی الواحد فیها عن الأحد. فتأمّل فی هذه الدقیقة فإنّ فیها أسرارا جلیلة، حقّقنا اللّه وإیاکم بالاهتداء إلیها.