۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل السابع

فی الحقیقة الحقّة التی لا یشوبها شائبة القید

قال:

«وتلک الحقیقة الواجبة لذاتها، غیر المأخوذة بقید العموم؛ إذ لا تحقّق للأمر العامِّ من حیث هو عام فی الخارج، وغیر المأخوذة بقید مخصِّص من القیود الاعتباریة العدمیة لما مرّ، ولا بقید مخصِّص من القیود الوجودیة؛ لأنّ هذا القید المخصِّص، لو کان کالصورة بالنسبة إلیها، لترکب الواجب لذاته من جزئین، أو أجزاء مختلفة، هذا محال، ولو کان کالأمر العرضی بالنسبة إلیها « أی الحقیقة الواجبة»، فلا یکون لازما لنفس طبیعتها، وإلاّ لاستحال أن یکون قیدا مخصّصا وحینئذ افتقرت الحقیقة الواجبة فی وجوبها الذاتی إلی غیرها المبائن لها، لامتناع وقوع التسلسل فی الأمور المترتّبة الواقعة بین الطرفین الحاصرین».

أقول:

إذ قد یطلق الوجود من حیث هو هو علی المقید بالعموم والاطلاق؛ أعنی الطبیعة بشرط لا شیء، کما انّه یطلق علی المجرّد من هذا القید أیضا؛ أعنی الطبیعة لا بشرط شیء، والمذکور فی البرهان إنّما هو إثبات وجوب الطبیعة من حیث هی هی، شرع أن یبین أنّ المثبت وجوبه لیس المقید بقید العموم؛ بل الحقیقة المطلقة بالإطلاق الحقیقی، دون الإطلاق المقابل للتقیید، فإنّه فی الحقیقة تقیید، والواجب لا یمکن أن یکون مقیدا بوجه من الوجوه أصلاً؛ فإنّ القید الذی یقید به طبیعة الواجب، لا یخلو من أن یکون هو قید العموم؛ أعنی

(۶۵)

التجرید عن سائر القیود، أو قیدا مخصّصا یفید إخراج المقید من عمومه وتخصیصه ببعض الجزئیات، وتمییزه عمّا یقابله من الأفراد، وحینئذ لا یخلو من أن یکون ذلک القید من القیود العدمیة الاعتباریة، أو الوجودیة الحقیقیة، فهیهنا صور ثلاث، کلّها باطلة:

أمّا الأولی، فلأنّها إذا کانت الحقیقة الواجبة هی المأخوذة بقید العموم، تکون تلک الحقیقة الواجبة هی العامّ من حیث إنّه عام، والعام من حیث أنّه عام لا وجود له فی الخارج حینئذ، فیلزم أن تکون الحقیقة الواجبة غیر موجودة فی الخارج.

وأمّا الثانیة، فلأنّه لو کانت الحقیقة الواجبة التی هی طبیعة الوجود من حیث هی هی، مقیدة بالقیود الاعتباریة العدمیة، یلزم ما مرّ من اتّصاف أحد النقیضین « أی الوجود» بالآخر « أی العدم».

فان قلت: إنّما یلزم ذلک لو کانت القیود الاعتباریة عدما صرفا ولیس کذلک.

قلنا: الأمور الاعتباریة، لابدّ من اشتمالها علی قید عدمی، وحینئذ یلزم الأمر الأوّل، لأنّ الجزء الوجودی منه من حیث أنّه وجودی، راجع إلی مطلق الطبیعة فیبقی العدم الصرف، ویلزم الاتّصاف المذکور « أی اتّصاف أحد النقیضین بالآخر».

وأمّا الثالثة، فلأنّه لو کانت الحقیقة الواجبة، مقیدة بالقید الوجودی المخصّص، فلا یخلو من أن تکون نسبته إلی الحقیقة نسبة الصورة إلی المرکب، بأن یکون فصلاً مقوِّما لها، أو نسبتُه نسبةَ العرض الخارج عن الحقیقة المتقوّم هو بها إلی ملحوقه، والأوّل محال؛ ضرورة لزوم ترکب الحقیقة الواجبة من جزئین إذا کان الفصل للجنس العالی أو المفرد أو أجزاء مختلفة إذا کان فصلاً

(۶۶)

لغیرهما، وکذا الثانی، فإنّ العارض الذی یلحق الشیء لا یخلو من أن یکون مبدء عروضه نفس ذلک الشیء، أو جزؤه، أو أمرا خارجا عنه.

والأوّل باطل؛ ضرورة وجوب أن یکون القید المخصِّص مخرجا لبعض أفراد المخصَّص دون بعض، والمساوی لا یصلح لذلک، وبطلان الثانی ظاهر «لاستلزامه الترکیب». وأمّا الثالث، فلأنّه یلزم حینئد افتقار الحقیقة فی الواجبة وجوبها الذاتی إلی غیرها المبائن، وذلک لأنّه لو لم تکن الواسطة مباینةً « أی عرضا مخصّصا» للحقیقة ، تکون لاحقةً لها، ولا یمکن أن یکون لحوقها لذاتها، ولا لجزئها، فیکون الخارج عنها. فلو کان لاحقا یستلزم التسلسل فی الأمور المترتّبة، ضرورة أنّ کلّ سابقٍ علَّةٌ للاحقه، وذلک یکون بین الطرفین حاصرین؛ أی الطبیعة والمخصِّص.

ولیعلم المتفطِّن اللبیب، أنّ هذا بیان شاف، وبرهان کاف للمستبصر الناقد، علی أنّ الحقیقة الحقّة والطبیعة الواجبة، من حیث أنّها طبیعة واجبة، لا یمکن أن یشوبها شائبة القید بوجه من الوجوه، ولا یتطرّق إلیها التعینات الخارجة عنها بجهة من الجهات، نعم تعینها إنّما هو الإطلاق الحقیقی، وأحدیة الجمع الذاتی، کما نبّهت علیه فی المقدّمة، فلیتدبّر، فإنّها من جلائل النُکت.

(۶۷)