۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الحادی والثلاثون

فی أنّ تغایر العاقل والمعقول اعتباری

قال:

«فلئن قیل: العاقلیة یقابل المعقولیة، فعند انتفاء المغائرة، فلا عاقلیة ولا معقولیة، قلنا: لو صحّ ما ذکرتموه مطلقا، لوجب أن لا یکون الواجب لذاته ولا شیء من الملائکة المجرّدة عاقلاً لنفسه.

ثمّ إنّ تلک المغائرة هیهنا إنّما حصلت بالاعتبار فقط؛ مثل حصول تلک الماهیات من حیث هی مغائرة لها، ومن البین أنّ تلک الماهیات من حیث هی مغائرة لها لا یکون إلاّ نِسَبا وإضافات تعینیة، لا تمایز بینها بالفعل بحسب الخارج؛ لکون موضوعها واحدا بتلک الوحدة الحقیقیة ، فلا یصحّ أن یقال: إنّ شیئا منها بتلک الحیثیة موجود بشیء من الوجودین فی هذا الموضع. نعم إنّها باعتبار کونها عین تلک الهویة فیالخارج، تکون حاصلةً لها حصول نفسها لنفسها».

أقول:

هذا إشارة إلی ما یمکن إیراده هیهنا ودفعه، وذلک أنّه یلزم علی ما ذهبتم إلیه: أنّ الماهیات والأعیان إنّما تکون معقولةً باعتبار کونها غیر مغائرة للذات العاقلة، وذلک محال، لأنّ العاقلیة تقابل المعقولیة؛ تَقابَل المضاف، وذلک لا یتصوّر إلاّ بعد تحقّقهما فی موضوعین مبائنین بحسب الوجود، فعند انتفاء المغائرة بین موضوعیهما، لا تکون العاقلیة ولا المعقولیة.

وأجاب عن هذه الشبهة بجوابین: أحدهما جدلی فی صورة النقض، وهو

(۱۴۶)

أنّه لو صحّ ما ذکرتموه من المقدّمات الدالّة علی تقابل العاقلیة والمعقولیة ووجوب التغایر بین موضوعیهما بحسب الوجود والحقیقة، لوجب أن لا یکون الواجب لذاته ولا شیء من الملائکة المجرّدة عاقلةً لنفسها عندکم، والأمر لیس کذلک.

ولمّا لم یندفع الشبهة بهذا الجواب؛ بل ما زاد إلاّ تعمیما لمواردها، أشار إلی وجه تحقیقی به ینقلع مادّة الشبهة عن أصلها، وهو: أنّ التغایر الواقع بین العاقلیة والمعقولیة ، وإن کان تغائر التقابل، لکنّ مجرّد الاعتبار کافٍ فی حصوله، کما أنّه کاف فی حصول نفس تلک الماهیات الحقیقیة التی هی المبادی لحصول التقابل والتغایر وعروضهما، فإنّ حصول تلک الماهیات ووجودها إنّما یتصوّر هیهنا بمحض الاعتبار، فما یکون وجوده متفرّعا علیها، أجدر بأن یکون کذلک.

أمّا بیان أنّ الماهیات یکفی فی حصولها مجرّد الاعتبار، فهو أنّ الماهیات من حیث هی مغائرة للذات، لا تکون إلاّ نِسَبا وإضافات تعینیة لما عرفت: أنّ الوحدة الحقیقیة المعبّر عنها بالوجود المطلق الشامل الذی ما عداه عدم صرف وباطل محض، یمتنع أن یکون هیهنا شیء آخر خارج عنها:

«ألا کلّ شیء ما خلا اللّه باطل

وکلّ نعیم لا محالة زائل»(۱)

والماهیات من حیث هی مغائرة، لا یکون لها تحقّق أصلاً إلاّ أنّ تلک الحقیقة لمّا اقتضت الظهور بحسب الجلاء والاستجلاء، اختلفت مراتب ظهوراتها فی الجلاء والخفاء بحسب إدراکنا؛ لا بحسب الأمر نفسه، فإذا نسبنا بعض ظهوراتها إلی بعض، وجدنا بعضها أتمّ جلاءً« المعبّر عنها بأشدّ وجودا فی الحکمة الصدرائیة»؛ لکثرة آثاره فی عرصة الظهور ووضوحها بحسب

 ۱ـ المجلسی، محمّدباقر، بحارالأنوار، ج۲۲، بیروت، الوفاء، الطبعة الثانیة، ۱۴۱۳ق، ص۲۶۶.

(۱۴۷)

المدارک، وبعضها أنقص؛ لقلّتها، فحصل لتلک الظهورات باعتبار نسبتنا بعضها إلی البعض، تمایز نسبی بحسب إدراکنا فقط، فعلم أنّ هذه الظهورات المتعدّدة وتعیناتها، إنّما هی النسب الإدراکیة والإضافات الاعتباریة.

وأمّا تلک الحقیقة فی نفسها فمجرّدة عن هذه النسب والإضافات، کنور الشمس مثلاً، فإنّه إذا وقع شعاعها علی أجسام صیقلة، مختلفة الألوان، کقِطَعٍ من الزّجاج الملوّنة¨ مثلاً، لابدّ وأن یحصل لبعض أطراف ذلک الشعاع بالنسبة إلی بعض تمایز نسبی، وتعدّد اعتباری بحسب إدراکنا، فیحکم الوهم هیهنا: أنّ النور هو المنصبغ نفسه، والواقع خلافه؛ إذ لا لون للنّور، لکن للزجاج بدا شعاعه، فتُری فیه ألوانه، فظهر أنّ حصول تلک الماهیات إنّما هو باعتبار تعینات اعتباریة.

فعلم أیضا من هذا أن لا تمایز بینهما بالفعل بحسب الخارج « بل التعبیر الصحیح منه الاتّحاد»، وذلک لأنّ التمایز بالفعل فی الخارج یستدعی تمایز موضوعاتها فیه وتعدّدها، وتعدّد الموضوع محال؛ لکون موضوعها واحدا بتلک الوحدة الحقیقیة، فلا یصحّ أن یقال: إن شیئا من الماهیات بتلک الحیثیة؛ أی من حیث أنّها مغائرة لتلک الهویة، موجودة بشیء من الوجودین فی هذا الموضوع؛ أی فی هذه المرتبة، نعم، إنّها باعتبار کونها عین تلک الهویة فی الخارج، یکون حاصلةً لها، حصول نفسها لنفسها، فباعتبار هذا الحصول النسبی وإضافتها إلیه، تکون موجودةً، وهذه الإضافة إنّما هی محض الاعتبار. تدبّر ما سمعتَ، فإنّه غایة التوضیح فی هذا المقام، لعلّ اللّه یوصلک إلی المرام.

(۱۴۸)