۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل التاسع

فی الردود علی القول السابق

قال:

«ولا یلزم من هذا « أی حمل الوجود علی الکلّ فهو واجب بشرط لا» أن تکون تلک الحقیقة من الماهیات المغائرة للوجود، فتکون مؤثّرةً للوجود لا بشرط الوجود، لأنّ تلک الحقیقة نفس الوجود، ولا تُغائر الوجود « بل یقع التغایر فی الممکنات»، ویکون قول الوجود علی تلک الحقیقة الملزومة، وعلی سائر الوجودات الباقیة الملزومة بالنسبة إلیه، علی سبیل التشکیک».

أقول:

هذا شروع فی دفع ما یمکن ایراده علی ما ذهب إلیه المتأخّرون حتّی یتحقّق به مذهبُهم وسیبین بعد ذلک إبطاله، جریا علی مقتضی عادته، کما سبق التنبیه علیه.

من جملة ذلک: أنّه یلزم حینئذ أن تکون تلک الحقیقة؛ أی الطبیعة الواجبة من الماهیات المغائرة للوجود، ضرورة وجوب تحقّق المغائرة بین الملزوم ولازمه، وحینئذ یلزم أن تکون تلک الطبیعة مؤثّرةً فی الوجود لا بشرط الوجود؛ أی بدون اعتبار انضمامها بالوجود، وذلک لما تقرّر: أنّ الحقیقة الواجبة هی العلّة التامّة المؤثّرة الموجبة بالذات، بدون الاحتیاج إلی أمر خارج، واعتبار انضمامه معها.

فأجاب بأنّه: إنّما یلزم ذلک، لو لم تکن الحقیقة نفسَ الوجود البحت، بدون انضمام أمر آخر معه. أمّا إذا کانت نفسه کما هو مذهبهم، فلا یرد شیء ممّا ذکر؛

(۷۰)

إذ الخصوصیة الواجبة عندهم هی تأکد معنی الوجود فی نفسه، وتنزّهه عمّا یشوب صرافته الذاتیة، فالحقیقة الخاصّة الواجبة، حینئذ لا تغایر الوجوب المطلق بالذات.

فإن قلت: کیف یمکن أن یکون العارض الذی یلحق الشیء بعد ثبوته وتحقّقه، نفس معروضه السابق علیه ومقوّما له(۱).

قلنا: العروض إنّما یتصوّر هیهنا فی العقل، کما سیجیء بیانه، وأمّا فی الخارج فهو نفسه. ولا ینتقض هذا بالماهیات الممکنة، إذ نسبتها إلی حصصها الوجودیة کذلک ، فإنّه لیس لتلک الحصص علی رأیهم وجود فی الأعیان؛ بل إنّما هی اعتبارات عقلیة لیس لها فی الخارج مُحاذٍ، ولأنّ الطبیعة المطلقة معروضة للتشکیک، لا یلزم أن تکون سائر حصصها اعتباراتٍ عقلیة؛ إذ منها ما هو الموجود الحقیقی الذی یوجد بنفسه، ویوجد به غیره، ولا أن تکون عارضة أیضا، إذ معروض التشکیک إنّما هو المطلق الشامل، ومن البین أنّ عروض التشکیک للأمر الأعمّ ولحوقه له لا یوجب عروضه لشیء من ملزوماته ومعروضاته، فإنّ ذلک الأمر المقوّم جاز أن لا یقبَله؛ إذ لا یلزم من کون اللازم « فهو مطلق الوجود العام» مشککا، کون ملزومه کذلک، قوله: «و یکون قول الوجود الخ» إشعار بهذا الکلام.

نکتة فی الحصص المتبدّلة وغیر المتبدّلة

ثمّ إن هیهنا نکتة لا تخلو التنبیه علیها من فوائد، وهی أنّ الطبیعة الکلیة المطلقه العارضة للحقائق المتخالفة والماهیات المتنوّعة، اذا انتسبت إلی حصصها الخاصّة، فإمّا أن تکون تلک الحصص غیر متبدّلة؛ بل حقائق الکلّ إنّما هی تلک الطبیعة المطلقة الواحدة، فیکون قولها علی تلک الحصص، قولاً

۱ـ والتنقید هو أن لو کانت الحقیقة نفس الوجود البحت ویکون الوجود عین ذاتها فلا یمکن التعبیر بأنّ الوجود عارض للملزومات ومن الملزومات الحقیقة الواجبة.

(۷۱)

متواطیا ذاتیا، وإن کان قولها علی ملحوقات الحصص « فهی الحقائق المتبائنة» قولاً عرضیا.

وإمّا أن تکون تلک الحصص متبدّلة الحقائق؛ بمعنی أنّها مشترکة کلّها فی حصولها لتلک الطبیعة الثابتة النازلة منزلة المحلّ لما یکون کالعوارض الغیر القارّة لها آخذة من مبدء معین. أمّا فی الأولویة بالنسبة إلی تلک الطبیعة أو الأثبتیة أو الأتقنیة أو الأشدّیة أو نحوها إلی حیث ینتهی إلی حصَّة لا تکون أولی منها من تلک الحصص بالنسبة إلیها ؛ یعنی لیس لها من الحصص ما یظهر فیها بجمیع أحکامها ظهورها فی تلک الحصَّة ، بأن تکون تلک الحصّة ملحوقةً لجمیع لواحقها الخاصّة بها، بدون ممانعة خصوصیتها إیاها(۱)، وذلک إنّما یکون بخلوِّ تلک الطبیعة الثابتة فی تلک الحصّة عن الخصوصیات الخارجة عنها التی هی بمنزلة الأعراض الغیر القارّة المتبدّلة علیها، فیکون قول الطبیعة المطلقة حینئذ علی تلک الحصص عندهم قولاً مشککا عرضیا.

لا یقال: إنّ خلوّ تلک الطبیعة عن الخصوصیات تنافی ما تقدّم، من أنّ تلک الحقیقة عندهم لها خصوصیة امتیازیة « بشرط لائیة» مقابلة لسائر الخصوصیات، وإلاّ لا تکون حصّةً لها.

لأنّا نقول: إنّ الخلوّ عن الخصوصیات أیضا خصوصیة امتیازیة مقابلة لسائر الخصوصیات، إلاّ أنّ سائر الخصوصیات لکونها أمورا خارجةً عن نفس تلک الحقیقة، لا یمکن أن یظهر أحکام تلک الحقیقة من حیث هی هی بها، وذلک لأنّ الأولویة والأشدّیة ونحوهما فی الحصص إنّما یتصوّر بأن تکون خصوصیتها المتبدّلة مندرجةً فی ممانعتها، للحوق ما یلحق الطبیعة لذاتها، ولزومها للحصّة المخصوصة إلی أن ینتهی إلی حصّة لا یمکن لها تلک

۱ـ فهو الصمد وبسیط الحقیقة الذی هو کلّ الأشیاء ولیس بشیء منها.

(۷۲)

الخصوصیة المانعة بل خصوصیتها الامتیازیة إنّما هی تنزّهها عن الخصوصیات المانعة، کما نبّهت علیه آنفا.

إذا عرفت هذا، فنقول: إنّ العروض إنّما طرء للطبیعة المطلقة باعتبار مقایستها للأمور المتبدِّلة والحصص المتخالفة، بمقارنة القیود الزائدة والاعتبارات الخارجة، التی هی مبدء عروض الإمکان، وأمّا بالقیاس إلی الحصّة التی هی أولی الحصص التی خصوصیتها إنّما هی خلوّها عن تلک الأمور الخارجة، فلا یتصوّر العروض أصلاً باعتبار خلوّها عن القیود الخارجة، وإن کان ذلک أیضا عارضا باعتبار إنّ هذا الاعتبار قید خارج مقابل لسائر خصوصیات الحصص(۱). وللمتفطِّن اللبیب المهتدی إلی طریق التحقیق، باقتفاء قائد التوفیق، أن یوّفق بین هذا الکلام وبین ما نبّه علیه فی المقدّمة بعض التوفیق.

عباراتنا شتّی، وحسنک واحد

 وکلٌّ إلی ذاک الجمال یشیر

۱ـ والحاصل أن لا یثبت جمیع أحکام العارض فی کلّ موارده التی مقولاً علیها.

(۷۳)