۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الثانی عشر

فی الطبیعة الواجبة التی لم تمکن أن تکون ذات الأفراد

قال:

«وإن لم یمکن أن تکون « الطبیعة الواجبة» ذاتَ أفراد ذهنیة أو عقلیة، إِمّا لأنّ تعینها نفس حقیقتها فی الخارج، أو لأنّها اقتضت تعینها لذاتها ، فامتنعت الأفراد الباقیة الموجودة لذاتها أیضا، أو لأنّ تلک الطبیعة المتعینة بالذات لمّا استحال أن تکون معقولةً لشیء من العقول ، استحال أن تکون ذات أفراد کثیرة، عقلیة أو ذهنیة، أو لأنّ تلک الطبیعة لمّا امتنع اقترانها بالغیر واقتران الغیر بها، استحال أن تکون ذات أفراد کثیرة عقلیة أو ذهنیة».

أقول:

هذا بیان للشقّ الثانی من التردید المذکور، وهو أن تکون الطبیعة الواجبة ممّا لم یمکن أن تکون ذات أفراد ذهنیة أو عقلیة، ولمّا کان الحقّ هو هذا، وقد استبعده العقل غایة الاستبعاد، بناءً علی أنّ الطبائع المعقولة یمتنع أن لا تکون ذات أفراد، کما أنّ الحقائق بدون أن تکون محفوفةً بالعوارض الخارجیة المشخّصة والغواشی الغریبة المحدودة، یستحیل أن تصیر جزئیةً حقیقیةً أراد أن یحقِّق ذلک ویبینه بوجوه عدیدة، یظهر بها أنّ منشأ ذلک الاستبعاد رسوخ العقائد العادیة. وتقریر ذلک أنّ امتناع أفراد تلک الطبیعة یتصوّر من وجوه، فإنّه إمّا أن یکون تعینها نفسَ حقیقتها فی الخارج، فلو وجد منها فردان، لزم قلب الحقیقة، وذلک بین الاستحالة، وإمّا أن یکون التعین مقتضی نفس الحقیقة، فإنّ هذه الحقیقة حینئذ بالنظر إلی ذاتها وإن کانت ذات أفراد موجودة، لأنّها طبیعة

(۷۸)

واجبة، لکن لمّا اقتضت التعین لذاتها، امتنعت الأفراد الباقیة الموجودة لذاتها أیضا، وذلک لأنّ تلک الأفراد الباقیة یقتضی العدم لذاتها(۱) باعتبار اقتضاء الطبیعة التعین لذاتها، ویقتضی الوجود أیضا لذاتها، وهذا من جملة أقسام الممتنع.

لا یقال: الممتنع من أقسام الممکن العام، وسلب إحدی الضرورتین معتبر فی مفهومه، فکیف یکون هذا داخلاً فی الممتنع، مع اشتماله علی الضرورتین.

لأنّا نقول: وإن کان بحسب مفهومه مشتملاً علی الضرورتین، لکن ضرورة الوجود مسلوبةٌ عنه بحسب الذات؛ بل ضرورة العدم صادقة علیه، فیکون ممتنعا بحسب ذاته .

ثمّ أنّ هذین الوجهین بحسب الظاهر إنّما یدلاّن علی امتناع الأفراد العقلیة دون الذهنیة؛ لاستلزامهما امتناع تعدّد أفراد تلک الحقیقة المتعینة فی الخارج بحسب ذاتها، وأمّا بحسب ما حصل منها فی العقل؛ أی باعتبار مفهومه الذهنی، فلا دلالة لهما علیه قطعا. فلهذا تعرّض لوجهین آخرین: أحدهما، لبیان امتناع الأفراد الذهنیة، الثانی، لبیان امتناع مطلق الأفراد.