۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الثالث عشر

فی دفع القول بالاشتراک المعنوی للوجود

قال:

«فإن کانت حقیقتها من حیث هی مغائرةً لحقیقة الوجود الخارجی والکون العینی الذی یتکوّن به الماهیات المختلفة لمغایرتها فی الأعیان بالذات، کان إطلاق لفظ الوجود علی الحقیقتین بالاشتراک اللفظی دون المعنوی، علی أنّ تلک الطبیعة لابدّ وأن لا تکون فی نفسها الکون العینی، لوجوب بساطتها، وحینئذ إمّا أن تکون شیئا من الماهیات الحقیقیة، أو أمرا من الأمور العقلیة، ویلزم من ذلک کثیر من المحالات ، وإن لم تکن مغائرةً لها، فإمّا امتنع استلزام الوجودات الخاصّة العینیة الممکنة لحقیقة الوجود المطلق واشتراکها فیها وصدق تلک الحقیقة علیها، أو وجب استلزامها للحقیقة الواجبة واشتراکها فیها وصدق تلک الحقیقة علیها، ومن الممتنع أن تکون الوجودات الخاصّة الممکنه ملزومةً للحقیقة الواجبة بحسب الذات، فإنّا قد برهننا فی کتبنا الحکمیة: أنّ تلک الطبیعة یمتنع أن یکون فیها جهة إمکانیة محضة وقابلیة شیء من الأوصاف الوجودیة الحقیقیة».

أقول:

إذا تقرّر أنّ الطبیعة الواجبة الملزومة لمطلق الوجود یمتنع أن تکون ذات أفراد ذهنیة أو عقلیة، فحینئذ نقول: تلک الطبیعة لا یخلو من أن تکون مغائرةً بالذات لحقیقة الوجود الخارجی والکون العینی الذی هو عبارة عمّا یتکوّن الماهیات

(۸۲)

بمقارنتها فی الأعیان بحیث لا یکون معنی مشترکا بینهما أصلاً؛ بل انحصر ما به الاشتراک بینهما علی مجرّد إطلاق لفظ الوجود أو لا تکون مغائرةً لها هذه المغائرة.

فإن کان الأوّل یلزم أن یکون إطلاق لفظ الوجود علی الحقیقتین بالاشتراک اللفظی دون المعنوی. ثمّ إنّه یمکن أنّ یقال هیهنا أنّ مجرّد تحقّق المغائرة الذاتیة بین الحقیقة الواجبة والکون العینی لا یستلزم أن یکون اطلاق لفظ الوجود علیهما بالاشتراک اللفظی، لم لا یجوز أن یکون لعارض مشترک بینهما؛ إذ الاشتراک فی العارض لا ینافی المغائرة الذاتیة، ولهذا أشار إلی دفعه بقوله: «علی أنّ تلک الطبیعة…» وتقریره أنّ تلک المغائرة إمّا أن یستلزم الاشتراک اللفظی أو کثیرا من المحالات.

وبیان ذلک أنّ تلک الطبیعة لابدّ وأن لا تکون فی نفسها الکون العینی، بمعنی أن لا یکون عینها ولا جزئها؛ إذ علی تقدیر أن یکون عینها یلزم خلاف المقدّر، فإنّ المقدّر إنّما هو المغائرة بینهما، وعلی تقدیر أن یکون جزئها یلزم الترکیب، ووجوب البساطة ینافی ذلک. فإذن یلزم أن تکون غیر الکون العینی ومعروضا له، فیحنئذ إمّا أن یکون ذلک المعروض من الماهیات الحقیقیة کما هو مذهب المتکلّمین، أو أمرا من الأمور العقلیة الاعتباریة، وعلی کلا التقدیرین یلزم کثیر من المحالات.

أمّا علی تقدیر أن تکون الطبیعة الواجبة أمرا حقیقیا معروضا للکون، والکون أمر خارج من حقیقته، فلمّا یلزم حینئذٍ من جواز انفکاک الوجود عن الطبیعة الواجبة ضرورة لزوم کون الوجود ممکنا، والممکن ما یجوز زواله وعدمه، ومن تقدّم الوجود علی نفسه ضرورة تقدّم الطبیعة الواجبة التی هی العلّة بالوجود علی الوجود، ومن کون الطبیعة الواجبة فاعلاً وقابلاً واستحالة الکلّ بینة؛ ولما یلزم أیضا أن یوجد شیء مرّتین؛ إذ مقارنة الکون هی الموجبة

(۸۳)

للوجود کما فی سائر الماهیات، ولمّا کان الواجب مقدّما فی الوجود یجب أن یکون موجودا قبل هذا الوجود.

وأمّا علی تقدیر أن تکون الطبیعة الواجبة التی هی مبدء الکلّ أمرا اعتباریا، فللزوم ما ذکر من وجوه المحال مع لزوم تخلّف العلّة من المعلول فی الخارج، وإن کان الثانی وهو أن تکون المغائرة بین الحقیقة الواجبة وبین الکون العینی منتفیةً، فیلزم أحد الأمرین، إمّا امتناع استلزام الوجودات الخاصّة الممکنة للوجود المطلق، أو وجوب استلزام الوجودات المعینیة الممکنة للحقیقة الواجبة، وذلک لأنّ الوجود الخاصّ العینی الممکن لا یخلو من أن یکون حقیقته مغائرةً بالذات للکون العین الذی بمقارنته تتکوّن الماهیات أو لا.

فإن کان الأوّل یلزم امتناع استلزام الوجودات الخاصّة الممکنة لحقیقة الوجود المطلق، واشتراک تلک الوجودات فی الحقیقة المطلقة، وصدق تلک الحقیقة علیها، وذلک لأنّ المغائرة بالذات بین الوجودین یقتضی التغایر فی الوجود، وکلّ واحد من هذه الأمور یقتضی الاتّحاد فیه فلا یجتمعان.

وإن کان الثانی وهو أن تکون المغائرة بالذات منتفیةً بین تلک الوجودات العینیة الممکنة وبین حقیقة الوجود المطلق، یلزم الأمر الثانی، وهو وجوب استلزام الوجودات الممکنة للحقیقة الواجبة، ضرورة استلزام الخاصّ للمطلق العامّ الذی لا یغائر الحقیقة الواجبة، وحینئذ یلزم اشتراکها فیها وصدقها علیها، ولا شک فی امتناع استلزام الوجودات الخاصة الممکنة للحقیقة الواجبة بحسب الذات، فإنّهم قد برهنوا فی کتبهم الحکمیة علی امتناع أن تکون للطبیعة الملزومة جهة إمکانیة محضة وقابلیة شی‌ء من الأوصاف الوجودیة، وإلاّ یلزم أن یکون الواجب لذاته لیس واجبا من جمیع الجهات.

(۸۴)

لا یقال: من انتفاء المغائرة بالذات لا یلزم أن تکون المغائرة مطلقةً منتفیةً، إذ قد تکون المغائرة بحسب اللواحق والعوارض متحقّقة، فإنّ مثل هذه المغائرة لا یتخالف بها الحقائق، فیکون الملزوم علی هذا التقدیر أیضا هو الحقیقة الواجبة لا غیر، ویلزم الأمور المذکورة.

(۸۵)