۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

فی بیان موضوع العلم الإلهی

أمّا المقدّمة: فاعلم أنّ العلم المبحوث عنه هیهنا، لمّا کان هو العلم الإلهی المطلق الذی هو أعلی العلوم مطلقا، یجب أن یکون موضوعه أعمّ الموضوعات مفهوما، بل أتمّ المفهومات حیطةً وشمولاً، وأبْینُها معنی، وأَقْدمها تصوّرا وتَعقّلاً، لما تُقرِّرَ فی فنّ البرهان، إنّ علوّ العلوم بحسب عموم الموضوع وشمول حیطته. فالعلم إنّما یکون أعلی مطلقا إذا کان موضوعه أعمّ مطلقا بالنسبة إلی سائر الموضوعات حتّی یکون موضوعات جمیع العلوم من جزئیاته(۴).

فلئن قیل: إنّما یلزم ذلک « أی الأعمّیة»، أنْ لو وجب أن یکون موضوع السافل « أی الفلسفة» أخصّ من موضوع العالی « أی العرفان فی هذا البحث» مطلقا، ولیس کذلک؛ لجواز کونه مبائنا کالموسیقی بالنسبة إلی الحساب فإنّهم صرّحوا بأنّه تحته مع تباین موضوعهما بالذات(۵).

قلنا: یجب أن یکون موضوع السافل تحت موضوع العالی وأخصّ منه، إمّا

۱ـ أی المطّلع.

۲ـ أی الإشراب.

۳ـ العطشان.

۴ـ کما فی الکلّی الطبیعی وأفراده.

۵ـ لأنّ الموسیقی من مقولة الکیف والحساب من الکمّ.

(۲۴)

بذاته أو بالحیثیة المبحوث عنها، وإلاّ لا یکون سافلاً، وعلم الموسیقی إنّما جُعل تحت الحساب باعتبار حیثیته، فإنّ النَّغَمَ المبحوث عنها فیه وإن کانت من الکیفیات المباینة لمطلق الکمّ، لکن لا یصیر موضوعا للموسیقی إلاّ إذا عرضت لها عوارض من باب الکمّ المنفصل، « فالموسیقی کمّ منفصل متّصف بالکیف»، فهو بهذه الحیثیة یکون تحت الحساب ضرورةً.

لا یقال: لو کفی هذا فی تحقّق النسبة هیهنا، لم یلزم أن یکون موضوع الأعلی أعمّ بالذات، لجواز أن یکون عمومه باعتبار حیثیة لاحقةٍ، فلا یتمّ إذا البیان.

لأنّا نقول بعد المساعدة علی الملازمة المذکورة؛ إنّ الحیثیة هیهنا لیست خارجةً عن الموضوع؛ بل نفس مفهومه(۱)، فالعموم بالذّات حینئذ لازم علی التقدیرین.

فإن قلت: لو کان حیثیة الموضوع هیهنا نفسَ مفهومه وطبیعته، یلزم أن یکون البحث فیه عمّا یلحق الوجودَ من حیث إنّه وجود، فیکون بحثه مقصورا علی ما لا یکون فی وجوده وحدوده محتاجا إلی المادّة، ضرورة أنّ ما یکون فیهما أو فی أحدهما محتاجا إلی المادّة، فالبحث عنه إنّما یکون عمّا یلحقه من الحیثیة الخاصّة به وإلاّ فلا یکون بحثا عنه، وحینئذ یکون هذا هو العلم المسمّی ب «علم ما بعد الطبیعة»، لا غیر « فیکون موضوع العلم الوجود المطلق کما قال به الحکیم».

قلنا: إنّما یلزم ذلک أنْ لو کان الوجود المأخوذ هیهنا موضوعا، هو الوجود المجرّد المطلق، وأمّا إذا کان هو مطلق الوجود، بدون اعتبار الاطلاق معه من حیث هو کذلک ، فلا شک أنّ سائر الخصوصیات والحیثیات؛ مادیةً کانت أو

۱ـ السعة الوجودیة للموضوع تقتضی أن تکون کلّ الحیثیات نفس موضوعه، فبناءً علی هذا یکون البحث من حیث الوجود لا من لواحقه.

(۲۵)

غیر مادیة ـ تکون مندرجةً فیه، کما سیجیء بیانه علی التفصیل.

فإن قلت: هذا « أی أنّ موضوع الفلسفة مقیدة بالاطلاق» غیر موافق لما عُلِم من تَصَفُّح کلامهم، فإنّ شیخ المشّائین؛ ابن سینا قدس‌سره قد صّرح فی الفصل الثانی من المقالة الأولی من إلهیات الشفاء، من أنّ الموجود بما هو موجود أمر مشترک بین المقولات وأنّه یجب أن یجعل الموضوع لهذه الصناعة.

قلنا: أنّ الموجودیة المشترکة بالمعنی الذی جعل به موضوعا للصناعة وإن شملت جمیعَ المقولات من حیث أنّها عارضة ایاها، لکن خصوصیات کلّ منها وحیثیاتها لیست داخلةً فیها ولا صادقةً علیها بما هو هو عندهم، فیکون بالحقیقة هو المعنی المجرّد(۱)، دون المعنی الذی جُعل به موضوعا لهذا العلم(۲)، فإنّها « أی المقولات» بهذا المعنی « الإطلاقی» نفس حقیقة الخصوصیات، وعین تلک الحیثیات؛ إذ تلک إنّما هی تصوّر تعیناتها المتمائزة بمجرّد النسب والإضافات وصنوف الاعتبارات، علی ما ستطّلع علیه، إن شاء اللّه تعالی.

فإذا عرفت هذا، عرفت أنّ الفرق بین هذا العلم الإلهی، والعلم الإلهی المسمّی ب «ما بعد الطبیعة»، کالفرق بین المطلق والمقید من غیر فرق.

ثمّ لمّا تقّرر بحکم الحصر العقلی أنه لیس ولا واحد من المفهومات إلاّ وهو مندرج تحت موضوع أحد من العلوم الثلاثة؛ أعنی العلم المنسوب إلی الطبیعة وما بعدها والمتوسّط بینهما اندراج موضوع ما هو الأعلی من تلک العلوم تحت موضوع هذا العلم ، ظهر وجوب عمومه بالنسبة إلی سائر المفهومات مطلقا.

ووجوب کونه أبینُها معنی وأقدمها تصوّرا أیضا؛ ضرورة أنّه لو کان بین المفهومات ما هو أبین منه یلزم أن لا یکون هو أعمّ المفهومات مطلقا، وإلاّ

۱ـ فهو مفهوم مجرّد لا مطلق الوجود.

۲ـ أی العرفان، وهو عبّر عن الفلسفة ب «الصناعة» وعن العرفان ب «العلم».

(۲۶)

یلزم أن یکون الخاصّ أبین من العامّ، وذلک محال.

وإذا ظهر اندارج سائر الموضوعات تحت موضوع هذا العلم، ظهر حکم سائر المسائل والمبادی التی هی أحکام الموضوع ومبینات تلک الأحکام.

وإذا عرفت هذا، فاعلم: أنّ التعبیر عمّا یصلح لأن یکون موضوعا لهذا العلم من المعنی المحیط والمفهوم الشامل الذی لا یشذّ منه شیء، ولا یقابله شیء عسیر جدّا. فلو عُبّر عنه بلفظ الوجود المطلق أو الحقّ « أی بالنسبة إلی الذات اللا متناهیة التی تسع کلّ شی‌ء» إنّما ذلک تعبیر عن الشیء بأخصّ أوصافه الذی هو أعمّ المفهومات هیهنا؛ إذ لو وُجد لفظ یکون ذا مفهوم محصَّل أشمل من ذلک وأبین، لکان أقرب إلیه وأخصّ به، وکان ذلک هو الصالح لأن یعبّر به عن موضوع العلم الإلهی المطلق لا غیر .