۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

العرفان وعوارضه الذاتیة

فلئن قیل: الموضوع فی کلّ علم علی ما تعارف بینهم، هو ما یبحث فی ذلک العلم عن أعراضه الذاتیة الخاصّة به؛ أی المحمولات الخارجة عن ذات الموضوع اللاحقة إیاها، إمّا لذاتها(۲) أو لما یساویها، جزءً کان « مثل: الإنسان ناطق» أو خارجا « کالإنسان ضاحک»، ولا شک أنّ صدق ما یحمل هیهنا علی الموضوع من الأسماء والحقائق « التی تکون من شؤونه الذاتیة» لا یمکن أن یکون علی سبیل اللّحوق؛ فإنّ ذلک الموضوع نفس الأسماء والحقائق علی ما قلتم ولا شیء بخارج عنه أصلاً.

۱ـ الوجود مفهومه أعمّ المفاهیم؛ لأنّ العدم بل کلّ شی‌ء یعرف به ومندرج فیه وخفاءه منّا، فهو أظهر الاشیاء مصداقا، واقتضاءه للرؤیة والمشاهدة والادراک تام، والمانع منّا، والوجود یری نفسه تشخّصا وقضیة: «لا تفکروا فی ذات اللّه» زجر ارشادی للمستضعفین من الناس ولا للخواص؛ لأنّ ادراکه یلیق بشأنهم فقط.

۲ـ کالزوجیة بالنسبة إلی الأربعة.

(۲۸)

سلّمناه، لکن نمنع أن یکون ذلک اللحوق لذاته أو لأمر یساویها، وإلاّ یلزم عدم انفکاک شیء من اللّواحق عن الموضوع العامّ، فالعامّ « أی الوجود» لا یکون عامّا بالنسبة إلی محمولات مسائله، فلا یکون جعله موضوعا أولی من غیره من المفهومات المساویة له(۱).

وأیضا قد تقرّر علی قواعد أهل التحقیق أنّ الأسماء والحقائق کلّها إنّما هی من مقتَضَیات الذات نفسها فی نفسها لنفسها، فیمتنع أن تنفک عنها فإنّ مقتضی الذات لا یمکن أن یتخلّف عنها أصلاً، فکیف یتصوّر حینئذ عموم ما دلّ علیها وإحاطتها بالنسبة إلی تلک الحقائق والأسماء(۲).

قلنا: إنّ هیهنا مقدّمة لابدّ من الاطّلاع علیها أوّلاً، وهی أنّ کلَّ مفهوم إنّما یتصوّر عمومه بالقیاس إلی الجزئیات المندرجة تحته، لکن لتلک الجزئیات اعتباران:

أحدهما، من حیث صدق ذلک المفهوم الکلّی علیها بما هو هو، واشتماله علی کلّها، وبهذا الاعتبار لیست شیئا زائدا علی نفس ذلک المفهوم أصلاً.

والآخر، من حیث حقائقها الامتیازیة وخصوصیاتها النسبیة الاعتباریة التی بها یمتاز کلّ منها عمّا عداه، وبهذا الاعتبار لیست نفس ذلک المفهوم، ولا داخلة فیه؛ بل إنّما هی من الأمور الخارجة عنه، اللاحقة إیاه لذاته.

وذلک لأنّ خصوصیة المعنی المحیط « أی الوجود» التی بها یمتاز عن سائر ما عداه ، إنّما هی الشمول والإحاطة، ولا شک أنّ هذه الخصوصیةَ إنّما تقتضی ملحوقیة المعنی المحیط بسائر المفهومات، وعدم مانعیتها لشیء من الخصوصیات المتقابل المتتابع المتمانع بعضها مع بعض، علی ما هو مقتضی

۱ـ فبناءً علی هذا، یصلح العلم والقدرة وأی اسم من الأسماء الالهیة أن یکون موضوعا لهذا العلم.

۲ـ لأنّ الذات فی وحدتها عین کلّ تلک الحقائق والأسماء، وإحاطتها علیها هی إحاطة الشیء علی نفسها، ولا معنی محصّل له.

(۲۹)

طبیعة الإحاطة والشمول، کما ستطّلع علیه.

وهذا یناسب ما تسمعه من ائمّة التحقیق یسمُّون الهویة المطلقة «مجمع الأضداد»، ولهذه الدقیقة مواضعُ تقع فی هذه الرسالة، فلیکن علی ذکر من المستبصرین.

فإذا تقرّر هذا، ظهر أنّ تلک الأسماء والحقائق بهذا الاعتبار من اللَّواحق التی تصلح لأن تکون مبحوثةً عنها فی الفنّ، کما أنّ ملحوقها بذلک الاعتبار صالح للموضوعیة.

ومساواتها للموضوع لو سُلِّمت لا ینافی موضوعیتها لتلک الأسماء والحقائق، کما فی الخواصِّ واللوازم المساویة بالنسبة إلی الحقائق النوعیة.

ثمّ إنّ اقتضاء الذات جمیع الأسماء بنفسها واشتمال کلّ منها علی الذات بجمیع اعتباراتها وإن کانت مقرَّرة عندهم، لکنَّها إنّما تختلف بحسب ظهور أحکامها(۱) فی القوابل « أی المظاهر»، فإنّه قد یکون الغالب منها بحسب ظهور أحکامها فی بعض المظاهر إسما کلیا، وقد یکون إسما جزئیا، ویکون ذلک الغالب هو الظاهر الناعت له دون غیره من الأسماء، فإنّ أحکامها مستهلکة تحت حکم إسمه المهیمن، کما فی الطبائع المرکبَّة « کالانسان» عند حکمنا بأنّها حارّة أو باردة .

وإذا تقررّ هذا ظهر أنّه لا یلزم من اقتضاء حقیقة فی نفسها إسما وعدم انفکاکه عنها فی الوجود أن یکون ذلک الإسم ظاهرا حکمه فی جمیع صور تعیناتها، ناعتا إیاها فی الکلّ.