۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل العشرون

فی أنّ الواجب لذاته لا یجوز أن یکون الطبیعة الملزومة

قال:

«فلئن قیل: لو صحّ ما ذکرتموه فی بیان أنّ الواجب لذاته لا یجوز أن تکون تلک الطبیعة الملزومة للوجود المطلق، لصحّ أن یقال: إنّه لا یجوز أن یکون نفس الوجود المطلق بمثل ما ذکرتموه، فإنّ حقیقته لو کانت ذات أفراد عقلیة فلابدَّ وأن یوجد منه فرد، فامتنعت الأفراد الباقیة ، لاستحالة أن یوجد کلّها، وأن لا یوجد شیء منها، وحینئذ کان وجوب بعضها وامتناع ما عداه بالغیر لا بالذات، وإن لم تکن ذات أفراد عقلیة لشیء ممّا ذکر من الوجوه، فإن کانت حقیقته مغائرةً لحقیقة الوجودات العینیة الخاصّة الممکنة، کان إطلاق لفظ الوجود علیه وعلی الوجودات الممکنة بالاشتراک اللفظی دون المعنوی، وإن لم تکن مغائرةً لها، لزم اتّصاف الوجودات الممکنة بالوجوب الذاتی.

قلنا: إنّ تلک الطبیعة لابدّ وأن تکون مغائرةً للوجود العینی وملزومةً له لما ذکرنا، دون الوجود الواجب لذاته القائم بنفسه الممتاز عمّا عداه بعین حقیقته « المحیطة التی یکون تعینها وتمیزها بالاحاطة»».

أقول:

هذه صورة نقض إجمالی علی الدلیل المذکور، وتقریره: أنّ ما ذکرتموه فی بیان أنّ الواجب لذاته لا یجوز أن یکون تلک الطبیعة الملزومة للوجود

(۱۰۰)

المطلق، لو کان صحیحا بجمیع مقدّماته، لزم أن یکون الوجود المطلق أیضا لیس واجبا، لصدق الدلیل المذکور علیه.

وبیان ذلک أنّ الواجب لا یمکن أن یکون نفس الوجود المطلق، لأنّ حقیقته لو کانت ذات أفراد عقلیة، فلابدّ وأن یوجد منه فرد، وامتنعت الأفراد الباقیة، لاستحالة أن یکون الموجود من الحقیقة الواجبة أفرادا کثیرةً، وأن لا یکون شیء منها موجودا. وإذا تقرّر أنّ الموجود منها لا یکون إلاّ فردا والباقی ممتنع، لزم أن یکون وجود ذلک الفرد بالغیر، فیکون وجوبه بالغیر، وکذا امتناع الباقی یلزم أن یکون بالغیر لا بالذات .

وبیان ذلک أنّ الطبیعة الواجبة، لابدّ وأن تکون طبیعةً نوعیةً، وإلاّ لزم أن تکون أفرادها مختلفة الحقائق، فیلزم الترکیب فی الواجب، وذلک محال. وإذا کانت طبیعة الواجب طبیعةً نوعیةً، یمتنع أن یختلف مقتضی أفرادها بالذات، فلو لم یقتض بعض أفرادها الوجوبَ والبعض الآخر الامتناعَ، لزم أن لا یکون ذلک الاقتضاء بالذات؛ بل بالغیر، فیلزم أن یکون الواجب فی وجوبه محتاجا إلی الغیر، وذلک بین الاستحالة، وإن لم یمکن أن تکون ذات أفراد عقلیة لشیء ممّا ذکر من الوجوه الأربعة؛ فإن کانت الحقیقة المطلقة مغائرةً لحقیقة الوجودات العینیة الخاصّة المسمّاة بالوجودات الممکنة، کان إطلاق لفظ الوجود علیها وعلی الوجودات الممکنة بالاشتراک اللفظی دون المعنوی لتغایر المعنیین، وانحصار ما به الاشتراک بینهما فی إطلاق لفظ الوجود فقط، وإن لم تکن مغائرةً للوجودات العینیة، لزم اتّصاف الوجودات الممکنة بالوجوب الذاتی ، ضرورة وجوب اتّصاف کلّ جزئی من جزئیات الحقیقة بلوازمها.

فأجاب بأنّ هذا النقض إنّما یرد علی من « أی المتأخّرین من المشّائین»

(۱۰۱)

جعل الطبیعة الواجبة متعینا مقابلاً لسائر المتعینات، فیکون مغائرا للوجود العینی وملزوما له، بناءً علی أن یکون الاشتراک معنویا، بأن تکون الطبیعة فی نفسها هی الکون العینی ، فیکون الکون المطلق المقول علیها وعلی غیرها مغائرا لها ولازما لها ضرورةً، دون ما إذا جعلناه الوجود المطلق الشامل الواجب القائم بنفسه؛ إذ لا شیء سواه یقوّمه الممتاز عمّا عداه بعین حقیقته؛ إذ ما عداه عدم محض، فلا یحتاج إلی ممیز خارج.

والحاصل أنّهم لمّا ذهبوا إلی أنّ الواجب هی الطبیعة الخاصّة المتعینة، مثل سائر المتعینات، لزم من قولهم: أن یکون مغائرا للمطلق المقول علیها وعلی مقابلها، کما لزم أن یکون مقابلاً لسائر المتعینات الممکنة التی بإزائها، وحینئذ لزم علیهم ما لزم.

أمّا إذا جعل الوجود المطلق الشامل الذی لا یشذّ منه نسبة ولا صفة ولا فرد من الأفراد المتماثلة والمتنافیة، فلم یرد علیهم من المحالات الواردة علی القائلین بالتعین شیء أصلاً(۱).

فإن قیل: یلزم علیهم أیضا أحد الأمرین: إمّا انتفاء القول بالإمکان والممکنات وسائر الماهیات، وإمّا أن یکون فی الواجب جهة إمکان، وکلاهما ظاهر الاستحالة.

قلنا: إن أرید بانتفاء الإمکان، انتفاؤه مطلقا، فلزومه ممنوع، وإن أرید انتفاؤه عن الوجود من حیث أنّه وجود، فلزومه مسلّم، لکن استحالته ممنوع، فإنّ الإمکان حسب ما نُبِّهتَ علیه فی المقدّمة، إنّما هو اعتبار یعرض للأشیاء باعتبار ظهور العلم، وبین ظاهر العلم وظاهر الوجود فرق ظاهر.

۱ـ فبعبارة أخری قال الحکیم بواجب الوجود؛ أی الوجود بشرط لا، ومقابله الوجود الإمکانی، وقال العارف بوجوب الوجود التی لا مقابل له إلاّ عدم الوجود وهو الوجود اللا بشرط، ولا غیر فی البین، وتکون کثرة التعینات من الماهیات لا فی الوجود.

(۱۰۲)

واعلم أنّ أمثال هذه الأبحاث عند الأزکیاء من أرباب الذوق من أجْلَی البدیهیات، وأمّا عند غیرهم من الفضلاء المقلَّدین بقلائد التقلید فهی ممّا لا یکاد ینفعهم ولا غَروَ « ومَن لم یجعل اللّه له نورا فما له من نور»(۱).

۱ـ نور / ۴۰.

(۱۰۳)