۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الثالث والعشرون

فی الجواب الثانی من الایرادین

قال:

«ومن الضروری، أنّ دعوی الضرورة فی محلّ النزاع غیر مسموعة ، علی أنّ الوجود الخاصّ الممکن الذی ذُکر، لو أرید به معروض شیء من هذه التعینات والصفات والأحوال من غیر اعتبارها معه، فهو بالحقیقة محض الوجود الواجب بالذات.

ولو أرید به شیء من هذه العوراض الموجودة بالعرض، من غیر اعتبار الوجود الموجود بالذات، فلا نسلّم أنّه فرد من أفراد الوجود المطلق، ولو أرید به مجموع الأمرین، فلا نسلّم إمکان وجود مثل هذا المجموع فی الأعیان بالذات « فلا یکون الترکیب الانضمامی فی الخارج »، وحینئذ کان امتناع الأفراد الذاتیة هیهنا فی الأعیان بالذات.

ولو أرید به معروض شیء من تلک العوارض من حیث هو معروضه ؛ أی مع اعتبار هذا العارض معه علی ما هو الموجود فی الأعیان، کان کلّ واحد من الموجودات الخاصّة؛ بل جمیعها موجودا واحدا واجبا بالذات، کثیرا بحسب صفات ممکنة زائدة علی الذات، وحینئذ لم یکن للوجود المطلق أفراد ذاتیة مختلفة بحسب الوجوب والإمکان والامتناع .

وأمّا القول بالمنافاة التی ذهب إلیها، فلا طائل تحته لما سبق تقریره من قبل».

(۱۱۳)

أقول:

هذا إشارة إلی الجواب الثانی من الإیرادین المذکورین، لمّا کان السائل ادّعی الضرورة فی المتنازع فیه، یمکن دفعه بأنّ ادّعاء الضرورة فی محلّ النزاع غیر مسموع علی ما هو مقتضی صناعة أهل النظر؛ إذ قولنا: کلّ بدیهی لا یتنازع فیه، ینعکس إلی أنّ کلّ ما یتنازع فیه لا یکون بدیهیا، لکن یکون مجادلةً، والشبهة بمادّتها باقیة بحالها .

فالجواب الحاسم لمادّة الشبهة أن یقال: إنّ الوجود الخاصّ الممکن الذی هو عبارة عن الوجودات المخصوصة بالتعینات والإضافات والأحوال النسبیة العدمیة، لا یمکن أن یکون من أفراد الوجود المطلق.

وذلک لأنّ المراد بالوجودات الخاصّة التی هی أفراد الوجود المطلق، لا یخلو من أن یکون معروض تلک التعینات بدون اعتبار العارض معه أصلاً، أو تلک العوارض بدون اعتبار المعروضات معها أصلاً، أو یکون المراد به هو المعروض مع اعتبار العارض، وحینئذ لا یخلو من أن یکون اعتبار العارض علی سبیل العروض أو الجزئیة .

فحصل هیهنا أربعة أقسام لا مزید علیها عقلاً ووجودا، ولا یمکن علی شیء من التقادیر أن یکون للوجود المطلق أفراد هی ممکنة فی ذاتها، وذلک لأنّه لو أرید بها معروض شیء من هذه التعینات والصفات والأحوال، بدون اعتبارها معه الذی هو القسم الأوّل من الأقسام الأربعة، فهو بالحقیقة محض الوجود الواحد الواجب بالذات.

ولو أرید بها شیء من العوارض الموجودة بالعرض، من غیر اعتبار الوجود الموجود بالذات معها الذی هو القسم الثانی من الأقسام المذکورة، فلا نسلّم أنّها فرد من أفراد الوجود المطلق، ضرورة أنّها معدومة بالذات بهذا الاعتبار،

(۱۱۴)

فکیف یصحّ أن یصدق علیه الموجود بهو هو، حتّی یکون من أفراده، فإنّ أفراد الوجود إنّما هو الموجود لذاته، الصادق مفهوم الوجود علیه بهو هو.

ولو أرید بها مجموع الأمرین؛ أی المرکب من العارض والمعروض الذی هو القسم الثالث من الأقسام، فلا نسلّم إمکان وجود مثل هذا المرکب؛ ضرورة امتناع کون الوجود جزءً لشیء من الماهیات فی الأعیان علی ما تقرّر عندهم، وحینئذ یلزم علی هذا التقدیر أن یکون امتناع الأفراد الذاتیة فی الأعیان بالذات، فیلزم حینئذ اختلاف أفراد الوجود، وقد ثبت استحالته.

فإن قلت: إنّما یلزم المحال لو کان ممتنعا مطلقا، أمّا إذا کان ممتنعا فی الخارج فقط فلا نسلّم استحالته.

قلت: ما یکون فردا للوجود المطلق ویصدق علیه الوجود بهو هو، لابدّ وأن یقتضی الوجود لذاته، ویستحیل أن یکون مقتضیا للعدم فی مرتبة من مراتبه.

ولو أرید بها معروض شیء من تلک العوارض من حیث هو معروضها؛ أی مع اعتبار هذا العارض معه من حیث هو عارض علی ما هو الموجود فی الأعیان، فإنّ الموجود فی الأعیان من الوجودات الخاصّة، إنّما هو ملحوقات تلک التعینات، وهو القسم الرابع من الأقسام المذکورة، فیکون کلّ واحد من الوجودات الخاصّة متّحدا مع الآخر بالذات بهذا الاعتبار؛ بل مجموعها لیس إلاّ أمرا واحدا واجبا بالذات، فإنّ ما بالذات لا یتغیر بلحوق اللواحق والعوارض، فإنّ الوحدة هی الذاتیة له، والکثرة إنّما هی لواحق عرضت له بحسب صفات معدومةٍ بالذات موجودةٍ بالعرض، فیکون المتّصف بالإمکان لیس إلاّ هذه اللواحق المعدومة الزائدة علی الذات.

فیقرّر من هذا التحقیق أنّه لا یمکن أن یکون للوجود المطلق من حیث أنّه

(۱۱۵)

وجود مطلق، أفراد ذاتیة مختلفة بحسب الوجوب والإمکان والامتناع، ضرورة أنّ الوحدة الحقیقیة هی الذاتیة له.

وهذا الکلام یفیدک زیادة تبیین لما مهّدنا لک فی المقدّمة، من أنّ الإمکان إنّما یعرض باعتبار ظاهر العلم، والوجوب باعتبار ظاهر الوجود، وبین ظاهرهما فرق ظاهر.

وأمّا القول بالمنافاة بین الممکن والواجب، فمبنی علی تعدّد أفراد الوجود، واختصاص فرد منه بالوجوب دون غیره، وقد عرفت ما فیه من الخلل فی ما سبق من البیان، فلا حاجة لتطویل الکلام به.

(۱۱۶)