۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل السابع والعشرون

فی أنّ الوجود المطلق لا اسم له ولا رسم له

قال:

«ومتی تقرّر هذا عرفتَ أنّ الحقّ هو الوجود المطلق الذی لا اختلاف فیه ولا تکثّر، بل هو محض الوجود بحیث لا یمازجه غیره، ولا یخالطه سواه، وهو بهذا الاعتبار لا ترکب فیه ولا کثرة؛ بل لا اسم من الأسماء الحقیقیة ولا رسم، بل لا نعت له ولا وصف، فإنّ الصفات والأسماء والأحکام لا تُنسب إلی الذات المطلق من غیر اعتبار التعینات ووجوه التخصّصات.

وسلب ما عدی الإطلاق المحض عنه الذی یستلزم سلب الأحکام والأوصاف والتعینات الحقیقیة، حکمٌ سلبی مبدء تعین غیر حقیقی، فلا یصحّ المناقضة عند التحقیق. فتأمّل ذلک».

أقول:

« هذا الوصل من أهمّ وصول الکتاب فلا تغفل عنه» متی تقرّر أنّ الکون الحقیقی العینی القائم بنفسه القیوم لغیره، هو الکون المطلق، ولا شک أنّه هو الواحد الحقیقی بمعنی أنّ ما عداه من الماهیات والخصوصیات من حیث هی کذلک، عدمات ظهر لمن طهّر قلبه عن الأدناس الطبیعیة وأخلص قلبه وقواه عن العقائد التقلیدیة والصور الخیالیة والوهمیة، أنّ الحقّ سبحانه هو الوجود المطلق الذی لا اختلاف فیه ولا تکثّر، فإنّه إنّما یقتضی لذاته الوحدة الذاتیة الحقیقیة؛ إذ هی أوّل اسم وأوّل عبارة یعبّر بها عنه ، وذلک لأنّ التکثّر والاختلاف إنّما یعقل فی ما یصحّ أن یتصوّر فیه الإثنینیة والتعدّد، وحیث

(۱۲۷)

یختصّ بعضه بحکم دون الآخر.

وأمّا الواحد الحقیقی المطلق الشامل للکثیر الذی سواه نفی محض وعدم صرف، کیف یصحّ أن یکون عُرضةً للکثرة والاختلاف، نعم الاختلاف والتکثّر یتوهّم فی مراتب تنزّلاته ومجالی ظهوراته بحسب شؤونه الذاتیة وأحواله، وذلک حیث تصادم النسب الأسمائیة، واختلف الإضافات الاعتباریة.

وأمّا حضرة الإطلاق الذاتی المعبّر عنه عند القوم ب «غیب الهویة» و«اللا تعین»، فلا مجال للاعتبارات فیه أصلاً، حتّی عن هذا الاعتبار أیضا، فلا یشوبه من اللواحق الاعتباریة شیء أصلاً؛ بل هو محض الوجود البحت بحیث لا یمازجه غیره ولا یخالطه سواه، فهو بهذا الاعتبار؛ أی باعتبار إطلاقه الذاتی لا ترکیب فیه ولا کثرة؛ بل لا اسم له من الأسماء الحقیقیة ولا رسم؛ إذ الاسم علی اصطلاحهم هو الذات باعتبار معنی من المعانی ؛ عدمیةً کانت أو وجودیةً، یسمّون ذلک المعنی بالصفة والنعت، فلا اسم، حیث لا صفة، ولا صفة، حیث لا اعتبار مع الذات؛ إذ الذات بهذا الاعتبار هو المطلق من غیر اعتبار شیء من التعینات ووجوه التخصّصات، فیکون مجرّدا عن سائر الأحکام والأسماء(۱)، إلاّ أنّ هذا الاعتبار لمّا اعتبر حصل للذات باعتباره إسم، لکنّه لیس من الأسماء الحقیقیة؛ إذ لیس حصوله باعتبار معنی مع الذات، بل بعدم اعتبار المعانی، وکون هذا معنی من المعانی لا یدفع هذا الأصل، فإنّه لیس من المعانی الحقیقیة؛ إذ طبیعته إنّما هی نفی اعتبار المعنویة وسلبها، فیکون عروض المعنویة لها إنّما هو بالفرض والاعتبار، فلهذا قید الأسماء بالحقیقیة.

وعلم من هذا: أنّه لا رسم له؛ ضرورة أنَّ الرسم إنّما هو بالخواصّ، وهی

۱ـ أی مجرّدا من کلّ ما کانت فی الطبیعة والعوالم النوریة المجرّدة؛ لأنّه صمد، وحقیقة واحدة ولیس ذا مراتب وإن کان بسیط الحقیقة کلّ المظاهر.

(۱۲۸)

صفات خاصّة بالشیء، وانتفاء العامّ یستلزم انتفاء خواصّه.

وأمّا قوله: «و سلب ما عدا إلاطلاق عنه» فهو جواب دخل مقدّر.

وتقریر ذلک: أنّ القاعدة القائلة بأنّ اعتبار المعانی والأحکام للذات موقوف علی اعتبار مبدئها من صنوف النسب ووجوه التعینات، منقوضة بنفس هذا الحکم، فإنّ سلب ما عدا الإطلاق حکم من الأحکام مع أنّه لا یقتضی شیئا من ذلک، وإلاّ یلزم خلاف الفرض « کقضیة المعدوم المطلق لا یخبر عنه».

فأجاب عنه: بأنّ هذا وإن کان حکما، إلاّ أنّه حکم سلبی، فمبدءه یکون تعینا غیر حقیقی، والکلام فی التعین الحقیقی والأسماء الحقیقیة، فلا یصحّ المناقضة به؛ أی النقض الإجمالی، وإن کان بحسب الأغلب الأکثر إنّما یطلق علی النقض التفصیلی، إلاّ أنّ الأظهر هیهنا هذا.

فإن قلت: التعینات مطلقا علی ما ذهبتم إلیه لا تکون أمورا حقیقیةً؛ بل اعتباریة عدمیة، سواء کان مبدءً للأحکام الوجودیة أو السلبیة، فلا وجه حینئذ للتخصیص.

قلت: إنّ التعینات کلّها وإن کانت أمورا اعتباریةً، إلاّ أنّه فرق بین ما یکون مبدءً للأسماء الحقیقیة منها وبین ما لا یصحّ لذلک، وذلک لأنّ العقل إذا اعتبر مع الذات معنی آخر، سواء کان وجودیا أو عدمیا، حصل للذات باعتبار ذلک المعنی إسم من الأسماء الحقیقیة بخلاف ما إذا اعتبرها مجرّدةً عن سائر المعانی والأحکام، حتّی عن نفس هذا الاعتبار أیضا، فإنّه بهذا الاعتبار لا یکون لها تعین ولا صورة مخصوصة یصلح أن یکون مبدءً دون الأوّل، إلاّ أنّه لمّا تصوّره النفس فباعتبار کونه متصوّرا فیها حصل، وباعتبار خصوصیة المحلّ تعین بالعرض مکتسب منه، ولو لم یلاحظه النفس لا یستدعیه نفسه،

(۱۲۹)

فهذا هو التعین الغیر الحقیقی الذی هو المبدء للأحکام السلبیة، الذی نحن بصدده، والمصحّح لإطلاق لفظ اللا تعین والوجود المطلق وغیب الهویة هو هذا الاعتبار.

لا یقال: فلا یبقی مع هذا الاعتبار حینئذ علی إطلاقه الصرف، فإنّ للعقل أن یجرّد عنه مع عروضه له؛ إذ فی وسع العقل أن یجرّد الأمور عن الأوصاف المقصودة هی بها ، کما فی مسألة مجهول المطلق والمعدوم المطلق وسائر المطلقات علی ما سبق، فتنبَّة ثمّ تدبّر قولهم فی مَجمع الأضداد وحضرة تضائق الأطراف، وکذا فی المسألة الغامضة التی لا مجال للعقل الصرف فیها أصلاً إلاّ مع تلطیف من السرّ وتخلیص للتوجّه، عسی أن یلوح له الحقّ علی مدرجته وقوله: «فتأمّل» إشارة إلی مثل هذه الدقائق.

(۱۳۰)