۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الخامس والثلاثون

فی دفع الشک الأوّل

قال:

«قلنا: إنّ موضوعات الإمکان ومتعلّقاته بالطبع، هی التعینات، ولا نسلّم أنّ الماهیات والنسب والإضافات والصفات غیر قابلة للوجود ، فإنّها لو قارنت الوجود وقارنها الوجود صارت موجودةً بالضرورة، فإنّ من التعینات ما یکون موضوعها الطبیعی الوجود الخارجی، ومنها ما یکون موضوعها الطبیعی الوجود العقلی، ومنها ما یکون موضوعها بالطبع الوجود المطلق، نعم إنّها غیر موجودة بوجود یکون نفسها أو مقوّما من مقوّماتها، ولو کانت الماهیات من حیث هی هی غیر مجعولة ولا معلولة، فلا یلزم أن تکون الماهیات الموجودة غیر مجعولة ولا معلولة، فإنّها لمّا صارت بمقارنة الوجود موجودة، احتاجت فی موجودیتها إلی مقارنة الوجود الذی هو غیرها بالضرورة، ولا یجب أن یکون کلّ موجود موجودا بالذات، فإنّ من الموجودات ما یکون موجودا بالعرض. فتأمّل ذلک .

وهذه الموجودیة من الاعتبارات العقلیة، ولهذا قد تَعرض الصفات السلبیة والعوارض الذهنیة العدمیة ومَن جعل الوجود المطلق من الاعتبارات العقلیة، فلعلّه لم یفرق بینه وبین هذه الموجودیة؛ بل التبس علی نظره أمر القسمین، فجعَل الحقیقة المحقّقة بذاتها التی هی أصل سائر الحقائق الحقیقیة أمرا اعتباریا. فاعرف ذلک» .

(۱۶۲)

أقول:

هذا شروع فی حلّ تلک الإشکالات ودفع تلک الإیرادات، مع تحقیق أصولهم وتأسیس قواعدهم، بحیث لا توهنُها الشکوک، ولا تزلزلها الشُبَه، فأشار إلی جواب الشک الأوّل:

منها، بأنّ موضوعات معنی الإمکان ومتعلِّقاته، من المجعولیة والمعلولیة والحدوث وغیرها، إنّما هی التعینات النسبیة، کما سبق تحقیق هذا الکلام فی المقدّمة ، من أنّ الإمکان عبارة عن ظاهر العلم باعتبار تمایزه عن الوجود بنسبته إلی المعلومات، ولا شک أنّ تلک التعینات التی هی المعلومات، إنّما هی أحوال الوجود وصفاته التی لا یدرک الوجود إلاّ بحسبها؛ إذ الإدراک إنّما وقع من الوجود علی صفاته وأحواله اللاحقة له فی مراتبه المستهلکة أحکام إطلاقه ووحدته فیها، ولا شک أنّها من حیث هی أحوال وأعراض وعوارض للوجود، تستدعی المقارنة له، فکیف یقال: إنّها غیر قابلة للوجود مطلقا، فإنّها عند مقارنتها للوجود ومقارنة الوجود إیاها، ضروریة الوجود. نعم، أنّها من حیث أنفسها بقطع النظر عن معروضها ومقارنتها له، لا تستحقّ الوجود ولا تستحقّ العدم أیضا؛ بل إنّما تقتضی بهذا الاعتبار عدم الاستحقاق لشیء منهما، وهذا هو مفهوم الإمکان. فالمعینّات النسبیة التی هی موضوعات بالطبع لهذا المفهوم، لا نسلّم أنّها غیر قابلة للوجود، فإنّ مقتضی طبائعها عدم استحقاقیة الوجود، لا استحقاقیة العدم. وذلک لأنّ تلک الأحوال عند مقارنة الوجود إیاها ومقارنتها للوجود، تصیر موجودةً بالضرورة، فلو کان استحقاقیة العدم مطلقا، مقتضی طبائعها، للزم صیرورة الممتنع الذاتی موجودا بضرورة الوصف، وذلک بین الاستحالة، فظهر أنّ عدم استحقاقیة الوجود والعدم، هو مقتضی طبائع التعینات، وهذا معنی قوله: «إنّ موضوعات الإمکان ومتعلِّقاته التعینات».

(۱۶۳)

وعُلم أیضا أنّ التعینات من حیث هی هی، وإن کان مقتضی طبائعها عدم الاستحقاقیة، لکن من حیث أنّها أحوال للوجود وصفاته، تقتضی بالطبع أن یکون الوجود فی مرتبة من مراتبه موضوعا لها، فانّ من التعینات ما یکون موضوعه الطبیعی ، الوجود¨ الخارجی، ضرورة کونه من الأحکام المختصّة بهذه المرتبة.

ومنها، ما یکون موضوعه الطبیعی، الوجود العقلی، لاختصاصه بمرتبة العقل.

ومنها، ما یکون موضوعه بالطبع، الوجود المطلق.

فعُلم أنّ التعینات بهذا الاعتبار ضروریة الوجود، نعم أنّها غیر موجودة بوجود یکون نفسها، أو مقوِّما من مقوِّماتها، فاذا قیل: «إنّها غیر قابلة للوجود» إنّما یکون بهذا المعنی، لا غیر.

قوله: «ولو کانت الماهیات» إلی هیهنا، مقدماتٌ لتمهید الجواب، وهذا شروع فی دفع مقدّمات السائل، من أنّ الماهیات عندکم غیر مجعولة ولا معلولة؛ لکونها غیر موجودة؛ بل غیر قابلة للوجود، فکیف تکون موضوعات للإمکان؟

فأجاب: بأنّه لو کان الماهیات من حیث هی هی غیر مجعولة ولا معلولة بالمعنی الذی عرفتَه آنفا، فإنّه لا یلزم أن تکون الماهیات المنضمُّ إلیها الوجودُ الموجودةُ لمقارنة الوجود إیاها، غیر مجعولة ولا معلولة، وذلک لأنّه إذا صارت بمقارنة الوجود الخارج عن ذاتها موجودة، فاحتاجت فی موجودیتها ضرورة إلی ذلک المقارن الخارجی الذی هو غیرها بالضرورة، ولا معنی للمعلولیة والجعل سوی الاحتیاج فی الوجود إلی الأمر الخارجی.

فلئن قیل: إنّکم قد ذهبتم إلی أنّ الوجود أمر واحد حقیقی وما عداه عدم

(۱۶۴)

محض وأنّ التکثّر إنّما هو أمر عدمی لا تحقُّق له فی نفسه، فکیف یصحّ حینئذ اعترافکم بما یشعر بتعدّد الوجود وما یستلزمه.

قلنا: مسلّم أنّ الوجود أمر واحد حقیقی وهو الموجود بالذات، والواحد الذی ما عداه عدم محض، لکن لذلک الواحد أحوال « وشؤون وأطوار» کما عرفت غیر مرّة یظهر فیها بحسبها،ولا یقع إلادراک؛ أی إدراک کان « حسیا کان أو خیالیا أو عقلیا»، إلاّ علی تلک الأحوال بحسبها، فإنّ الواحد من حیث هو هو لا یعقل ولا یدرک، فحینئذ، لو أضیف الوجود إلی المُدرک من تلک الأحوال بحسب ما ظهر فیه من مشاهدة آثاره یکون ذلک الموجود موجودا بالعرض لا بالذات؛ إذ إضافة الوجود إلیه إنّما هی بحسب توهمّه واعتباره فقط، إذ الوجود فی نفسه لا نسبة فیه، والنسب الوهمیة الاعتباریة لا یقدح فی حقیقة الأشیاء أصلاً، فقولهم: «التوحید إسقاط الإضافات» إشارة إلی هذا المعنی.

وقوله: «ولا یجب أن یکون کلّ موجود موجودا بالذات»، إشارة إلی هذا السؤال والجواب، ویفهم من تقریره علی الوجه المذکور ما یحتاج فی إدراکه من عبارة المصنّف إلی تأمّل، فلا تغفل عنه.

ثمّ إنّ ما یضاف إلی الماهیات وینسب إلی التعینات وما یحمل علیها من الوجود إنّما هو معنی اعتباری لا حصول له إلاّ باعتبار المدارک؛ إذ لیس له فی الخارج عنها مُحاذٍ، کما عرفت، فتکون الموجودیة المدرکة لها من الاعتبارات العقلیة؛ ولهذا تعرض الصفات السلبیة والعوارض العدمیة.

ومن جعل من المتأخّرین « أی الشیخ السهروردی» نفس الوجود المطلق من الاعتبارات العقلیة فلعلَّه لم یفرق بین الوجود المطلق وبین ما یکون موقع إدراکه من أحواله المستهلکة فیها أحکام وحدته وإطلاقه؛ بل التبس علی نظره ما مرّ من القسمین، فجعل الحقیقة المحقّقة بذاتها، التی هی

(۱۶۵)

أصل سائر الحقائق، أمرا اعتباریا، فاعرف ذلک، وهذا غیر بعید منهم، فإنّ من رام باهتداء بصیرته الحولاء أن یحوم حول مثل هذا الحمی، کمن رکب مَتْن عَمیاء، فلا غَرْو أن یخبِط خبطَ عَشْواء.

(۱۶۶)