۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الحادی عشر

فی جواب ما أورده فی الوصل الثامن

قال:

«قلنا: إنّ الطبیعة الواجبة الملزومة لمطلق الوجود إن صحّ أن تکون ذات أفراد ذهنیة أو عقلیة، فلو وجد منها فرد وامتنعت الأفراد الباقیة، کانت الأفراد کلّها ممکنةً بحسب ذاتها، فلو امتنع البعض، لامتنع بالغیر ، ولو وجب البعض، لوجب بالغیر، فأنّ ما بالذات لا یزول بالغیر».

أقول:

هذا جواب لما أورده نقضا علی الدلیل المذکور ممّا ذهب إلیه المشّاؤون(۱) من أنّ یبطل به مذهبهم، وهو أن یقال: الطبیعة الملزومة لمطلق الوجود التی هی الواجبة عندکم، إمّا أن تصحّ أن تکون ذات أفراد وتکون الطبیعة بالنسبة إلیها حقیقة کلیة؛ سواء کانت ذات أفراد حقیقیة عقلیة، کسائر الکلیات الحقیقیة، أو کانت ذات أفراد اعتباریة ذهنیة، کالکلیات الفرضیة، مثل اللا شیء واللا إمکان أو لا یصحّ، فإن صحّ، فلا یخلو من أن یکون الموجود منه واحدا أو أکثر، والثانی ظاهر البطلان، وعلی التقدیر الأوّل یلزم أن تکون أفراد الطبیعة الواجبة ممکنةً بالذات وامتنعت الأفراد الباقیه منها أو أمکنت، ضرورة امتناع وجوبها بالذات وامتناعها بها، وإلاّ یلزم خلاف الفرض « وهو إمکانه بالذات».

لا یقال: إنّما یلزم الفرض المذکور « أی امکانه بالذات» أن تکون ممکنة الاتّصاف، لا ممکنة الوجود « فی ذاته»؛فإنّ الطبیعة الملزومة الواجبة عندهم لمّا کانت نفس الوجود، تکون ممکنة الاتّصاف بعینها هی ممکنة الوجود، وإذا

۱ـ الحقیقة الواجبة هی الطبیعة التی هی من ملزومات ما ذکر من الوجود الذی یشترک فیه جمیع الموجودات الخاصّة فیکون بشرط لا، لا اللا بشرط کما قال به العارف.

(۷۶)

کانت الأفراد کلّها ممکنةً بحسب ذاتها، فلو امتنع البعض، لامتنع بالغیر، ولو وجب البعض أیضا لوجب بالغیر، وتکون الأفراد کلّها باقیةً علی إمکانها الذاتی؛ لأنّ ما بالذات لا یزول بالغیر، فلا یکون فرد من أفراده واجبا لذاته.

فإن قیل: إن أرید بالإمکان، الإمکان العام، فلا یلزم حینئذ أن تکون أفرادَ الطبیعة لو وَجبت لَوجبت بالغیر، لجواز أن یکون بعضها واجبا لذاته علی هذا التقدیر. وإن أرید به الإمکان الخاصّ فممنوع أنّ الطبیعة الواجبة لو صحّ أن تکون ذات أفراد، لزم أن تکون تلک الأفراد ممکنةً بالإمکان الخاصّ، کیف وبین مفهومیهما « أی الإمکان الخاصّ والواجب بالذات» تناف فی الصدق؟ نعم، اللازم علی هذا التقدیر أن تکون الأفراد لیست ممتنعةً لذاتها، وهذا مفهوم الإمکان العامّ لا الخاصّ.

قلنا: الکلام علی تقدیر أن تکون تلک الطبیعة الواجبة البسیطة ذاتَ أفراد، ویکون الموجود منها واحدا والباقی ممتنعا، وحینئذ ظهر لزوم کون الأفراد کلّها ممکنةً بالإمکان الخاصّ، فإنّه لو لم یکن کذلک، فإِمّا أن یکون أفرادها مختلفةً متنوّعةً فی الوجوب والامتناع والإمکان أو متّفقةً، والأوّل تدفعه البساطةُ الواجبة، فحینئذ لو لم یکن کلّها ممکنةً بالإمکان الخاصّ، فإِمّا کلّها واجبة، أو کلّها ممتنعة، والأوّل یستلزم وجوب الممتنع، والثانی امتناع الواجب، ومن هذا تعرف اقتضاء طبیعة الوجوب الوحدة الذاتیة. فتنبّه.

(۷۷)