۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الثلاثون

فی منشأ توهّم تأخّر العلم التفصیلی للواجب علی ما سواه

قال:

«ویوجب أیضا « کما أنه یتضمّن إدراک سائر الصفات» علی النسق المنتظم فی الوجود الخارجی علما إجمالیا جمعیا لا تفصیلیا، لا لما قیل: إنّ العلم بالعلّة، یوجب العلم بالمعلول المبائن لها بحسب الوجود علی ما ذهب إلیه المشّاؤون؛ فإنّ الماهیات والأعیان الثابتة غیر مجعولة ولا معلولة بالذات، واعتبار کونها معقولةً، إنّما هو باعتبار کونها غیر مغائرة للذّات العاقلة فی الخارج، فإنّها من حیث هی کونها مغائرةً لها لا تکون موجودةً بالفعل هیهنا، ولا معقولة بالمعنی الذی ذهب إلیه محقّق المشّائین، وهو کون الشیء حاصلاً للعلّة الفاعلة القابلة، أو حاصلاً للعلّة الفاعلة الموجبة المبائنة له، فلا یصحّ أن یقال : إنّها مفتقرة « ونسبة الافتقار بالماهیات لیس بصحیح» إلیها بحسب أحد الوجودین، الغیر الفرضیین».

أقول:

لمّا بین الحقیقةَ الواحدة بالوحدة الحقیقیة، ولوّح علی کیفیة انتشاء الکثرة الاعتباریة منها علی النظام المحکم فی الوجود، یرید أن ینبّه علی مبلغ أفهام المشائین فی هذه المسألة، ومنشأ أوهامهم فیها.

وتقریر ذلک: انّ إدراک الحقیقة المذکورة لذاتها، کما أنّه یتضمّن إدراک سائر الصفات علی الوجه المذکور، کذلک یوجب إدراکها علی النسق المحکم المنتظم فی الوجود الخارجی؛ إدراکا إجمالیا جمعیا لا تفصیلیا؛ إذ هذه

(۱۴۱)

الحضرة لیس لتفاصیل الأحکام فیها مجال أصلاً، کما عرفت غیر مرّة، وذلک لأنّ ظهور الذات بکلیتها وأحدیة جمعیتها الذی هو من إحدی الصور الأربع اللازمة شعورها، لا یمکن تعلّق الإدراک بها إلاّ مع نسبة تألیف توجب تقدّمَ بعض الجزئیات وتأخّر البعض، وإلاّ لا یتصوّر الجمعیة، ولا أحدیتها. فهذا هو الموجب للعلم بالنظام الوجودی، لا ما ذهب إلیه المشّاؤون من: أنّ العلم بالعلّة، یوجب العلم بالمعلول المبائن‌لها بحسب الوجود « أی العلم العنایی»، فإنّهم لمّا نَفَوْا المشیة والإرادة المرجّحة للمختار، اضطرّوا إلی إثبات صفة للمبدء، تقتضی ذلک النظام المحکم، یسمّونها العنایة، وهی تمثّل النظام فی علم الباری، الذی هو حضور المعلول الأوّل عنده، بما اشتمل علیه من المعلولات المتّسقة المنتظمة من الأزل إلی الأبد، بناءً علی أنّ العلم بالعلّة یوجب العلم بالمعلول المبائن، وذلک لابتنائه علی الباطل یکون فاسدا، ضرورة کونه متفرّعا علی أنّ الماهیات والأعیان الثابتة من حیث أنّها مبائنة للذات بحسب الوجود، لها وجود لذاتها مجعولةً کانت أو معلولةً علی اختلاف الرأیین، وقد عرفت ممّا سبق: أنّ الأعیان بهذا الاعتبار ما شمّت رائحة الوجود، والعدم الصرف، لا یمکن أن یکون مجعولاً ولا معلولاً.

ثمّ إنّه یمکن أن یتوهّم هیهنا: أنّ هذا الکلام لا یطابق ما تقدّم من أنّ إدراک الواجب ذاته یستلزم إدراک سائر الصفات والأعیان، لکونها عینها، فإنّه یقتضی وجود الأعیان ضرورة.

فلو قیل: إنّها غیر موجودة، یکون بین الکلامین تناف بحسب الظاهر، فلذلک قال : «اعتبار کون الماهیات والأعیان معقولةً إنّما هو اعتبار کونها غیر مغائرة للذات العاقلة . ولا شک أنّ هذا الاعتبار غیر اعتبار کونها مجعولةً أو معلولةً مبائنةً لها بحسب الوجود ، فعند تغائر الاعتبار، لا تَنافی بین الحکمین.

(۱۴۲)

« قال لنفی القول بأصالة الماهیة» وأمّا بیان أنّ معقولیة الماهیات، إنّما هو باعتبار کونها غیر مغائرة للذات العاقلة، فهو أنّها من حیث المغائرة لا وجود لها أصلاً، لا خارجا ولا عقلاً.

أمّا خارجا، فلأنّها من حیث هی مغائرة للذات مبائنة لها بحسب الوجود فی الخارج، وکلّ ما یکون مبائنا لها کذلک، لا یمکن أن یکون موجودا فی الخارج؛ لما سبق من أنّ الوجود حقیقته فی نفسه، لا تباین بین أفراده، فیکون المبائن للوجود بحسبه فی الخارج لا یکون موجودا بالضرورة.

وأمّا عقلاً، فلأنّ المعقولیة بالمعنی الذی ذهب إلیه محقّق المشّائین، وهو کون الشیء حاصلاً للعلّة القابلة، وهو الانطباع المفسَّرُ به الإدراک، المسمّی ب «العلم الانفعالی» عندهم، أو بحصوله للعلّة الفاعلة الموجبة المعبَّر عنه ب «الحضور» المسمّی ب «العلم الفعلی»، منفیة عن الماهیات من الحیثیة المذکورة، لأنّها من الحیثیة المذکورة، مبائنة للذات العاقلة، فتکون مبائنةً للوجود، مبائنةَ العلّة للمعلول قابلةً أو فاعلةً.

وقد عرفت: أنّ المبائن للوجود بحسبه، لا یمکن أن یکون له حصّة من الوجود والحصول، لا فی نفسه، ولا فی غیره.

وأیضا المعقول من حیث أنّه معقول، یجب أن لا یکون مغائرا للعاقل(۱) إلاّ بضرب من الإضافة، فلا یکون المبائن لشیء بحسب الوجود، معقولاً له بهذا الاعتبار کما سبق. وممّا یؤید هذا ما ذکره بعض المحقّقین من أهل الذوق: أنّ العلم بالشیء؛ أی علم کان، بالذوق الصحیح والکشف الصریح عبارة عن استجلاء العالم ذلک المعلوم فی نفسه بالقدر المشترک بین العالم والمعلوم، الذی من جهته یتّحدان، فلا یتغایران.

۱ـ فهو متّحد له وجودا فی علمی الفعلی والانفعالی، وسواء فی الواجب والممکن.

(۱۴۳)

وعبارة أیضا عن استجلائه من حیث الأمر الممیز للمعلوم عن العالم القاضی بأن یسمّی أحدهما معلوما والآخر عالما؛ إذ لا تسمیة فی الأحدیة ولا تعدّد.

ولابدّ أیضا فی هذا القسم الثانی القاضی بالتمیز من معنی یقتضی الاشتراک بین العلم والعالم والمعلوم وهو التمیز، وأمر آخر لازم له لا یجوز إظهاره « فهو نفی التعدّد عن العلم والعالم والمعلوم».

وإنّما أوردتُ هذا الکلام فی هذا المقام، لبعد هذه المسألة عن مدارک أهل الاستدلال من العارین عن الذوق السلیم، فعسی أن یتأمّلوا فی فحاوی عباراتهم الجلیة، فیطّلعهم اللّهُ علی بعض مرموزاتهم الخفیة، « وما ذلک علی اللّه بعزیز»(۱).

وإذا تقرّر: أنّ الماهیات والأعیان باعتبار مغائرتها للذات، لیس لها حصّة من الوجود أصلاً، فلا یمکن إضافة الوجود إلیها واعتبارها معها بهذا الاعتبار، فلو أضیف إلیها واعتبر لها بوجه من الوجوه، لا یکون ذلک المضاف «والإضافة النوریة الإشراقیة» إلاّ الوجود الذاتی الحقیقی، فلا یصحّ حینئذ أن یقال: إنّها مفتقرة إلی الذات العاقلة بحسب أحد الوجودین الغیر الفرضیین؛ لأنّ الوجود المضاف إلی الماهیة حینئذ إنّما هو الوجود الذاتی الحقیقی الذی لا یمکن أن یفتقر موصوفه بحسبه إلی شیء، فإنّ الافتقار إنّما یکون للموجود بالوجود الفرضی الذی قد ثبت انتفاؤه مطلقا. وملخّص هذا الکلام: أنّ الماهیات والأعیان، لو أخذت مع اعتبار المغائرة، فهی معدومة؛ ضرورة لا یصلح لأن یوصف بالمجعولیة والمعلولیة وغیرهما من الصفات أصلاً، ولو أخذت مجرّدة عن هذا الاعتبار، یمکن أن ینسب إلیها الوجود، لکن لا یصلح

۱ـ ابراهیم / ۲۰.

(۱۴۴)

لأن یوصف بما یستلزم الافتقار والاحتیاج، کالمجعولیة والمعلولیة؛ لأنّ الوجود المضاف إلیها حینئذ، إنّما هو الوجود الحقیقی الذی له الغناء المطلق. فتقرّر: أنّ القول بالمجعولیة والمعلولیة علی التقدیرین فاسد.

(۱۴۵)