۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الأول فی النوحید

 

الوصل الخامس عشر

فی بطلان التشکیک المشّائی

قال:

«ثمّ إنّ الوجود الحاصل للماهیات المختلفة والطبائع المتخالفة لا یقبل الوجودَ والعدم لذاته لما أشیر إلیه فی موضعه، فیجب أن یکون واجبا لذاته، وحینئذ لو وُجد هناک موجود آخر مغائر له، لتعدّد الواجب لذاته، والقائل بالتشکیک ینکره کلّ الإنکار.

هذا إذا ذهب القائل بالتشکیک مذهب التجویز والاحتمال العقلی لا غیر ، وأمّا إذا ذهب مذهب الوجوب والثبوت الضروری، وتمسّک فی بیانه بإثبات الأولویة والأقدمیة والأشدیة والأکملیة والأتمیة وشبهها بالنسبة إلی الطبیعة الواجبة الملزومة للکون العینی المطلق ومقابلاتها بالنسبة إلی الملزومات الأخر الباقیة، منعنا ذلک، فإنّ ثبوت تلک الأحوال لها بالقیاس إلیها مبنی علی ثبوت تلک الطبیعة الملزومة فی نفس الأمر علی ما ذکرتموه، فلو بُین ثبوتها بذلک، لزم المصادرة علی المطلوب».

أقول:

هذا دلیل علی بطلان القول بالتشکیک الذی هو مبنی قواعد المشّائین(۱) فی هذه المسألة، وعمدة عقائدهم، ولمّا التزم المصنّف أن یسوق الکلام فی هذه الرسالة مساق أهل النظر، وجب علیه أن یراعی فی الاستدلال سیاقة طرقهم

۱ـ وهو التشکیک فی مفهوم الوجود لا فی مصداقه، وهو اختیار صدرالمتألّهین، ولا فی المظاهر، وهو رأی العرفاء.

(۸۸)

الممکنة الورود، تتمیما لما هو بصدده، وتسدیدا للدلیل عن مواقع خلله. ولمّا کان کلامه فی ما تقدّم من الأدلّة المذکورة مَسُوقا علی طریق التعلیل والاستدلال، فالأوفق للقائلین بالتشکیک هیهنا أن یسْلُکوا فی البحث مسلک المنع علی طریقة التجویز والاحتمال، فلهذا قدّم هذا الشقّ .

ولهم أن یسلکوا فی البحث مسلک التعلیل علی سبیل المعارضة فسدّد أولاً مبانی کلامه عن الثُلمتین، لئلاّ یدخل فیه شیء من الدخلین، والأوّل إذ کان دفعه إنّما هو بإثبات المقدّمة الممنوعة، تعرَّض له بقوله: إنّ الوجود المطلق بمعنی لا بشرط الحاصل للماهیات والطبائع المتخالفة، قد بُین فی موضعه أنّه لا یقبل الوجود والعدم لذاته، وکلّ شیء لا یقبل الوجود والعدم لذاته یجب أن یکون واجبا، فیجب أن یکون الوجود واجبا لذاته، وحینئذ نقول: القول بالتشکیک یستلزم وجود موجود آخر من أفراده موصوف بهذه الصفة، ولو وُجد هناک موجود آخر غیر هذه الطبیعة المطلقة بهذه الصفة، لزم تعدّد الواجب لذاته؛ سواء کان ملزوما لهذه الطبیعة أو لا، والقائل بالتشکیک ینکر تعدّد الواجب کلّ الانکار.

لا یقال: إنّما یلزم تعدّد الواجب لو لم تکن الطبیعة الملزومة موجودةً بالوجود المطلق متّحدةً معه فی الوجود، وأمّا إذا کان کذلک، فلا یلزم ذلک.

قلنا: إنّ البرهان الدالّ علی واجبیة الوجود المطلق، یدلّ أیضا علی أنّه یجب أن یکون مستقلاًّ فی الوجود الخارجی، موجودا بذاته بدون انضمام شیء معه، فإذا استلزم القول بالتشکیک وجوب الطبیعة الملزومة، یکون ذلک أیضا مستقلاًّ فی الوجود ، ویلزم التعدّد ضرورةً. هذا إذا ذهب القائل بالتشکیک مذهب التجویز والاحتمال العقلی، بأن یقول: إنّما یلزم التعدّد لو لم یکن قولُ مطلق الوجود علی الطبیعة الملزومة وعلی سائر الوجودات

(۸۹)

بالتشکیک، وأمّا علی تقدیر احتمال هذا وتجویز العقل إیاه فلا یلزم.

فإن قیل: حینئذ یکون کلاما علی السند « أی مدّعاه وإن کان صحیحا ولکن دلیله ضعیف»، وهذا غیر مستقیم علی قواعدهم.

قلنا: نعم، إلاّ أنّ السند هیهنا مساوٍ للمنع علی ما هو المستفاد من عبارة المانع، فإبطاله یکون دفعا للمنع.

وأمّا إذا ذهب مذهبَ المعارَضة والاستدلال ویدّعی وجوب القول بالتشکیک وثبوته بالضرورة، وتمسّک فی بیان ذلک بإثبات الأولویة والأقدمیة والأشدّیة والأکملیة والأتمّیة وشبهها بالنسبة إلی الطبیعة الواجبة الملزومة للکون العینی المطلق وبإثبات مقابلات تلک الأمور کعدم الأولویة والأقدمیة والأنقصیة والأضعفیة بالنسبة إلی الملزومات الأخر الباقیة التی هی الوجودات الخاصّة الممکنة، منعنا ذلک؛ أی منعنا اختصاص الطبیعة الملزومة الواجبة بتلک الأحوال، فإنّ ثبوت تلک الأحوال النسبیة العارضة للطبیعة الملزومة الواجبة بالقیاس إلی الوجودات الخاصّة الممکنة، مبنی علی ثبوت تلک الطبیعة علی صفة الواجبیة، فإنّ تلک الأحوال إنّما هی صفات نسبیة عارضة للحقیقة الواجبة بالقیاس إلی الممکن، وتحقّق الصفات سیما النسبیة منها موقوف علی تحقّق ذلک الموصوف الذی هو أحد المنتسبین، فلو بُین ثبوت الحقیقة الواجبة بتلک الأحوال والنسب، لزم المصادرة علی المطلوب الأوّل، وذلک ظاهر. هذا هو الموافق لهذا المساق.