۱۳۹۵-۰۲-۲۰

التعلیقة علی المکاسب المحرّمة

 

الغیبة

قوله: «الرابعة عشر: الغیبة محرّمة بالأدلّة الأربعة…»(۱).

الغیبة مبینة من جهة الدلیل وإن کان فی کلّ واحدة من الأدلّة جهات من الأمر وحیثیات الدلائل مختلفة ولکن أصلها من جهة الدلیل مسلّمة.

«أیحبّ أحدکم…»(۲) إدراک ما فی الآیة من بیان واقعیة هذا الأمر مخصوص لأهل الباطن، ومن أدرک أمثال هذه الأمور لا یکون من أهل الغیبة. ولا تکون الآیة فی صدد بیان التشبیه والمبالغة، ولا یکون فیها بیان للتعبّد أصلاً. إن قلت : حسّ الإنسان وعقله لا یلمس ولا یدرک شیء من ذلک فکیف یکون واقعیة خارجیة،

۱- المکاسب المحرّمة، ص۴۰، س۱۶، ج۱، ص۳۱۵.

۲- الحجرات / ۱۲.

(۸۲)

قلت: العادة بالمعصیة موجبة لعدم إدراک الإنسان واقعیة هذه الأمور، والأمر مسلّم جدّا عند أهل المعرفة، کما فی المحسوسات ربّما صار طبع البعض بواسطة العادة موافقا لأمّهات الخبائث والقبائح من الأشیاء والأمور.

«لا یحبّ اللّه الجهر…»(۱)، لا یکون مورد الآیة الغیبة؛ لأنّ الغیبة لا تکون بالجهر أوّلاً، وثانیا، لا تکون بالسوء من القول، بل ربّما تحقّق مع ألفاظ ملیحة أو کانت لبیان المحسّنات لفرد وإکراهه موجب لحرمتها، وثالثا، کانت الغیبة نوعا بالإخبار ومورد الآیة بالإنشاء. ومعنی الآیة کانت لبیان الترخیص لفرد المظلوم الذی تعدّی علیه بأن یظهر أمره ولو جهرا الانتصار عند من یمکن أن ینتصر به.

«انّ الذین یحبّون أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا…»(۲)، مورد الآیة لا ینحصر بالغیبة وإن کانت الغیبة مصداقا لهذه الآیة کسائر مصادیقها.

الحبّ لإشاعة الفاحشة ینجرّ نوعا بالإشاعة، ونفس إشاعة الفاحشة فاحشة، بل أشدّ وأقبح منها فی بعض المواقع وبالنسبة إلی بعض الأفراد، وفعل الإشاعة یمکن أن لا یجمع مع الحبّ، ولا یکون مع القصد والعمد، ومادّة الاجتماع الحبّ للإشاعة مع فعل الإشاعة، وکما أنّ الحبّ ینجرّ إلی نفس فعل الإشاعة، نفس فعل

۱- النساء / ۱۴۸.

۲- النور / ۲۴.

(۸۳)

الإشاعة یحکی عن الحبّ، والآیة تشمل الجمیع.

یذکر فی الآیة ظرف الإشاعة؛ أی: «فی الذین آمنوا» ولکن لا تقید الإشاعة وقال: «یحبّون أن تشیع الفاحشة»؛ أی: مطلق الفاحشة بلا قید ومتعلّق، ولا تقید إشاعة الفاحشة بالنسبة إلی أهل الایمان أو غیرهم؛ لأنّ نفس الإشاعة للفاحشة مذمومة مضرّة لأهل الایمان إن کانت من غیرهم إلاّ ما خرج بالدلیل من موارد الجواز أو اللزوم من بیان أفعال الخصم للدین؛ فبناءً علی ذلک نفس ترویج الباطل وذکر المعاصی مع ألقابها وخصائصها کان من موارد الإشاعة للفاحشة.

«الغیبة أشدّ من الزنا»(۱)، لابدّ أن یذکر فی المقام مقدّمتان لیتّضح معنی هذا الحدیث.

الأولی: أنّ المعاصی علی قسمین؛ المعاصی المسریة وإن کانت غیر شدیدة، والمعاصی الشدیدة وإن کانت غیر مسریة. المثال للثانیة الخمر والزنا والقتل، والمثال للأولی الغیبة وفعل الإشاعة للفحشاء. وفی الأمراض البدنیة الظاهریة المسریة غیر الشدیدة مثل السل العمیقة، والغیر المسریة مثل سرطان. وفی الأعمال مثل استعمال الدخانیات وشرب التوتون والتریاق. شرب التوتون له أمراض وقبائح صوریة، ولکن الانزجار منه لغیر کثیر، وشرب التریاق له مضرّات کثیرة شدیدة، ولکن لا سرایة له إلی الغیر ولا

۱- الوسائل، ج۱۲، ص۲۸۰.

(۸۴)

قبح فیه، بل له رائحة لطیفة، والمعاصی علی قسمین آخرین: قسمة منها معاصی التی لها قبائح ذاتیة، ولا یکون من شأن العاقل والمسلم أن یتلبّس بها من غیر نظر إلی متعلّقها، مثل الخیانة التی لا یکون من شأن الإنسان من حیث هو إنسان ارتکاب عمل الخیانة ولو لم یکن مسلما، وقسمة منها المعاصی التی لا قبح فی ذاتها إلاّ من جهة متعلّقها مثل النظر إلی مواضع الزینة للأجنبیة أو الغیبة بقید الإسلام، لأنّ النظر إلی مواضع الزینة للکافرة لا حرمة فیها لو لم یکن مع الریبة ولکنّ النظر إلی مواضع الزینة للمسلمة حرام ولو لم یکن فیه الریبة، فنفس النظر لا حرمة فیه إلاّ من جهة متعلّقه. وکذلک الأمر فی الغیبة؛ لأنّ الحرمة فیها مقیدة بالمسلم وإلاّ غیبة المنافق والکافر لیس بشیء؛ بخلاف الخیانة؛ لأنّها قبیحة من المسلم حتّی الخیانة علی الکافر؛ لأنّ الأفعال القبیحة ذاتا قبیحة عند الجمیع، فقبح الخیانة لا یکون من جهة المتعلّق،بل‌لنفس‌الفعل.

فبعد بیان المقدّمتین یتّضح الأمر فی لمیة أشدّیة الغیبة من الزنا؛ لأنّ الزنا وإن کان قبیحا ذاتا وکان من المعاصی الشدیدة والکبائر التی أوعد اللّه علیها النّار وکان هلاک المجتمع بذلک، ولکن لا سرایة فیه، وکان محدودا من جهة نفس العمل، بخلاف الغیبة، مع أنّها لا تکون قبحها ذاتیةً، ولا یکون هلاک المجتمع إرتکابها، ولکن مسریة وذاتها السرایة إلی غیر، فکانت أشدیة الغیبة من جهة الشیوع والآثار؛ لأنّ نفس الغیبة فیها السرایة؛ بخلاف القتل والزنا،

(۸۵)

والزنا وإن کان أشدّ من جهة الذات ولکنّ الغیبة أشدّ من جهة السرایة والآثار المرضیة التی تهدم عرض المؤمنین.

المراد ب«من یأکل لحوم الناس بالغیبة»(۱).

المراد منه من کان عادته الغیبة لکلّ فرد، لا من اغتاب واحدا أو متعدّدا فی موارد محدودة، فعلی ذلک صادق ما قال: «کذب من زعم أنّه ولد من حلال وهو یأکل لحوم الناس بالغیبة».

«أدنی الکفر…»(۲)، لا یکون منطوق هذا البیان مربوطا بأصل الغیبة وإن کان تحقّق غرض الفاعل لابدّ أن یکون بالغیبة، والحدیث فی من حفظ کلمة لمکان مناسب بخیاله الفاسد لیفضحه بها، وهذا قبیح وشیء أکثر من الغیبة.

قوله: «و یمکن إرجاع الغیبة إلیها؛ [أی: إلی الخیانة(۳)].

لا إشکال فی کون الغیبة من الکبائر کما کانت الخیانة أیضا من أشدّ الکبائر، ولکن إرجاع الغیبة إلیها فی غیر محلّه؛ لأنّ الخیانة مربوطة بنوع من التصرّف العملی فی متعلّقات الفرد أو الجمع والمجتمع، ولا یکون من مقولة الکلام، والإشکال فی أنّ الغیبة من الکبائر مخدوش جدّا.

قوله: «إنّ ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغیبة بالمؤمن…»(۴).

 

۱- الوسائل، ج۱۲، ص۲۸۳، باختلاف یسیر.

۲- الوسائل، ج۱۷، ص۲۱۱.

۳- المکاسب المحرّمة، ص۴۰، س۳۲، ج۱، ص۳۱۸.

۴- المصدر السابق، ص۴۰، س۳۳، ج۱، ص۳۱۹.

(۸۶)

حرمة الغیبة کانت من جهة المتعلّق، ولا حرمة نفسیة فیها، ومع عدم المناط فی المتعلّق ـ کما فی الکافر والمخالف ـ بأن لا یکون الإشکال فی غیبتهما، بل یمکن أن تکون راجحا من حیث وجود الغرض الصحیح فی غیبتهما، بخلاف الخیانة من أنّ حرمتها ذاتیة، ولا یمکن الخیانة حتّی بالنسبة إلی الکافر والمخالف؛ لعدم شأنیة المؤمن أن یتلبّس بها حتّی للکافر علی المؤمن أو الکافر؛ لأنّ الجمیع متّفق علی قبح الخیانة، ولا یرتبط بالإیمان والکفر فقط، بل عدم الخیانة من شأن الإنسان.

حرمة الغیبة شاملة للممیز أیضا کما فی الکبیر، وفی غیر الممیز أیضا لو کانت موجبةً لکراهة اولیائه، وفی المجنون أیضا منوط بحصول الکراهة لو سمع أو بکراهة اولیائه لو کان مع القصد فی التعریض لأولیائه أو مطلقا. والمراد من الکراهة کراهة ذکره وإن لم یکره من ظهوره أیضا، وحدّ الغیبة المحرّمة وتعریفها: «ذکرک أخاک بما یکرهه» و«ممّا هو فیه» قید توضیحی .

ذکر الشخص بما یعدّ نقصا، وقیل بقصد الانتقاص داخل فی الغیبة المحرّمة، وفی بعض الموارد ذکر الحسن صار الغیبة المکروهة لو سمع الصفات المعروفة کالأعمش والأعور إن صارت علما لا یعدّ غیبةً وإلاّ کانت غیبةً وإن کانت ظاهرة، والمستوریة لیست فی حدّ الغیبة المحرّمة.

ذکر ما فی الظاهر أیضا یعدّ غیبةً محرّمةً، وکان المراد بما یستره

(۸۷)

اللّه فی الأخبار من یکون مقابلاً للمتجاهر بالفسق. وکون الشیء غیر منکشف لا یکون حدّا للغیبة المحرّمة، وما فی الأخبار إشعار بما فی الغیبة شیء من الاستتار نوعا، والمراد من المستور ما لا یکون فی عموم الناس.

«عورة المؤمن علی المؤمن حرام»(۱).

وهی إذاعة سرّه، وحرمتها تکون أکثر من حرمة الغیبة؛ لأن سرّه فی حکم الأمانة وحفظه واجب حتّی بالنسبة إلی المتجاهر بالفسق، وإذاعة سرّ المؤمن المتجاهر بالفسق حرام أیضا، وإن کان ما فی روایة محمّدبن فضیل : «لا تذیعنّ علیه شیئا تشینه وتهدم به مروّته»(۲) فی مقابل المتجاهر بالفسق، وجملة «تهدم به مروّته» کانت بالنسبة إلی الفرد المستور.

«من عیر مؤمنا بشیء لم یمت حتّی یرتکبه…»(۳)

کانت العبارة فی بیان الآثار الوضعیة لهذا العمل الشنیع.

قوله: «هل یعتبر فی الغیبه…»(۴).

عرفیة الغیبة التی معتبرة عند الشارع لا تتحقّق إلاّ عند

۱- الوسائل، ج۲، ص۳۷.

۲- محمّدباقر مجلسی، بحارالانوار، ج۷۲، بیروت، موسسة الوفاء، الطبعة الثانیة، ۱۴۰۳ق، ص۲۱۵.

۳- میرزا حسن النوری الطبرسی، مستدرک الوسائل، قم، موسسة آل‌البیت علیهم‌السلام ، الطبعة الثانیة، ۱۴۰۸ق، ج۹، ص۱۱۱.

۴- المکاسب المحرّمة، ص۴۲، س۳۴. ج۱، ص۳۳۲.

(۸۸)

المخاطب، ولا یصحّ أن یقال حضور النفس للنفس بالتکلّم النفس غیر نوع خطاب ومخاطب، لأنّه خارج عن التخاطب العرفی.

«لو علم إثنان…»؛

هذا یعدّ غیبةً ولو لم یحصل منهما شیء جدید؛ خصوصا إن حصل منهما شیء جدید من نوع البیان أو عدم حضور الأمر فی ذهن المخاطب تماما وغیر ذلک من الفروض.

«مرددا بین الأشخاص…» الغیبة المحرّمة لا تتحقّق إلاّ بالمتعلّق من الأفراد أو العناوین العامّة المحترمة إن کانت فیها إشعارا بالنسبة إلی الجمیع أو البعض من مصادیق الکلّ مثلاً لو قال عند عرب وعجم: جائنی عرب کذا وکذا، ویشعر الذمّ منه للموجود لا للغائب المجهول.

,