۱۳۹۵-۰۲-۲۰

التعلیقة علی المکاسب المحرّمة

 

الغناء والموسیقی

الفرق بین الغناء والموسیقی هو: أنّ الغناء المحرَّم فی الشرع یرتبط بالصوت واللحن، وأمّا الآلات المعدّة لموزونیة الغناء أمر آخر فی قباله، ولها أحکام خاصّة بها، ولا شبهة فی حرمتها جمیعا عند المشهور، فالموسیقی فی الفنّ یطلق علی أصوات الآلات بجمیع أقسامها، ولا خلاف فی حرمة آلات اللهو والموسیقی فی الشرع عند المشهور ولکنّ الاختلاف کانت فی حرمة الألحان وحلّیتها، والاختلاف فی أنّ الغناء حرام أو لا، وأنّ الغناء مساو للحرمة أو أعمّ منها، وأنّ الحرمة فی الألحان أعمّ من الغناء أو مساو له، وإن کان الغناء هو الصوت المرجّع المطرب فما معنی الصوت الحسن ولحن العرب، فیقال فی جواب جمیع ذلک: أنّه لا یمکن أن یقال الصوت حرام مطلقا للزوم نقض الغرض فی الخلقة، مضافا إلی أنّ الصوت الحسن من أعظم موهبات الحقّ إلی الخلق، آدمیا کان أو غیره من الحیوانات، بل فی غیرها من الموجودات من سواد اللیل ونور النهار ودوی الماء وحفیض الشجر، فلا یمکن أن یقال مطلق الصوت حرام، بل یمکن أن یقال الغناء حرام أو الصوت اللهوی حرام أو أنّ الصوت اللهوی هو الغناء وأنّ الحرمة منحصرة بالغناء، والغناء هو الصوت اللهوی فی جهة الکیفیة لا من جهة المحتوی ومادّة الکلمات؛ لأنّها شیء آخر غیر ما فی أصل الغناء، وإن کانت الحرمة فی جهته.

(۳۱)

ولا یمکن أن یقال مدّ الصوت أو الصوت المرجّع أو المطرب من الصوت حرام مطلقا؛ لأنّ مدّ الصوت أو الطرب والترجیع فی الصوت لا یکون حراما، ولا تکون الحرمة ملازمةً بهذه الأمور، ویمکن أن یکون الصوت حراما بلا ترجیع وطرب أو مع الترجیع والطرب، فبناءً علی هذا یقال إنّ الحرمة فی الصوت منحصرة بالکیفیة المغفّلة للنفس والموجبة لضعف الإرادة، ولهذا قیل: إنّ المراد بالغناء ألحان أهل الفسوق أو الصوت اللهوی.

ومن البحوث المهمّة فی المقام بحث الغناء وصوت الحسن فی جهات شتّی من حیث تشخیص الموضوع وبیان الحکم وآلات اللهو والموسیقی والرقص والتصفیق وغیرها من الأبحاث المربوطة بها.

والمهم فی البحث تشخیص موضوع الغناء وتمییز صوت اللهوی من صوت الحسن وحکمه من جمیع الجهات، وفی تشخیص الموضوع لازم أن لا یتأثّر الفقیه من اختلاف الروایات وکثرة الأنظار، وفی جهة الأحکام المربوطة بالغناء لا یلحق غیر ما هو الموضوع بالموضوع. فبالجملة المهمّ فی الغناء تشخیص الموضوع وبعده البحث فی أنّ الحرمة بأی قسم منها تتعلّق؟

الغناء فی حسن الموسیقی مطلق الألحان؛ بلا فرق فیما بین أنواعها وأقسامها من الجهة الغنائیة؛ وإن کان لکلّ صوت اسما خاصّا وأحکاما خاصّة لما تخصّه بها. وهو فی اللّغة مدّ الصوت مع

(۳۲)

الترجیع المطرب، وفیما بین المسلمین ولا سیما الفقهاء وفی زماننا هذا مجمل بأشدّ الإجمال، وإن کان معلوما ومعروفا فی زمن الروایات وحضور المعصومین علیهم‌السلام ، ودلیلنا علی ذلک إمّا عدم وجود السؤال من جانب أحد من المؤمنین والرّواة عن المعصومین علیهم‌السلام عن معنی الغناء، ولیس فی جمیع روایات الباب ما یدلّ علی هذا الأمر أو إجمال معنی الغناء والتشکیک والتوهّم فیه فی زمن صدور الروایات، وکأنّه کان الغناء معلوما ومحدودا بألحان المعنی والمغنّیة وأهل الفسوق والعصیان فی مجالس اللعب واللهو، ومقابل ذلک کان الصوت فیما بین المؤمنین منحصرا بالصوت الحسن الذی کان صورةً وهیأةً لقراءة القران والدعاء والمناجاة وألحانا خاصّة فی تحقّق ترتیل الأشعار المعنویة. والمیز فیما بین هذین النوعین من الصوت واللحن کان مبینا ومعروفا فی زمن الروایات بحیث لا یشتبه لأحد فیما بینهما حتّی یحتاج إلی السؤال؛ سواء کان من الممکن أن یکون مع المدّ والترجیع والطرب أو لا یکون مع هذه الأمر بعضا أو کلاًّ. والصوت الحسن ما کان موجبا لعروج الروح إلی الکمال ووصوله إلی الحقّ وموجبا لتصفیة الباطن من دنس الریاء والهوی ومعدّا لتوازن القوی الروحانیة والجسمانیة؛ ولو کان مع المدّ والترجیع والطرب.

الصوت من حیث مفهوم الغناء وتحت هذا العنوان، لیست له دلالة واضحة علی الحرمة، والمدارک الصحیحة مع الدلالة

(۳۳)

الواضحة لیست فی مقام حرمة هذا العنوان، ولهذا کان الشیخ مصرّا فی هذا المقام أن یتمسّک بأدلّة اللهو إثبات حرمة الصوت اللهوی ولو لم یکن غناءً وعدم حرمة الصوت الذی لا یکون لهوا ولو کان غناءً. والسؤال من الشیخ فی أنّ الحرمة فی نظره منوطة بالصوت اللهوی؛ ولو لم یکن مطربا لا الصوت المطرب ولو لم یکن لهویا، فلو کان اللهو ملاکا لحرمة الصوت اللهوی، لا یکون الإطراب مناطا للحرمة بدلیل الانفکاک وعدم الدلیل لحرمة الإطراب فی الصوت إلاّ ما فی تعریف أهل اللغة للغناء، ولا یقید وجود الدلیل أو ظهور خطأهم الصوت بالإطراب.

والدعوی من الشیخ فی أنّ المصداق من اللهوی فی الصوت هو المصداق من الصوت المطرب وجودا أو ملازما واتّحادا، ولکن هذا غیر مقبول منه؛ لعدم الاتّحاد فیهما دائما، ولا یکون أحدهما ملازما للآخر، ویمکن الإفراد فیهما، مع أنّ تشخیص الاتّحاد أو الملازمة أو عدمهما لیس فی شأن الفقیه، بل للعارف بهذا الفنّ أو العرف المطّلع یمکنه أن یقول نحو الارتباط بین المطرب واللهوی أو عدمه. فبناءً علی هذا، الحرمة منحصرة فی اللهوی من الصوت ولو لم یکن مطربا؛ لا صوتا مطربا ولو لم یکن لهویا، ولا یکون هذا التعریف فی باب الغناء من اللغوی بمنزلة الوحی، ولا یکون تشخیص هذا الأمر فی صلاحیته أیضا، ولا یکون فی باب الروایات لهذه الأوصاف أثرا، ولا تکون الحرمة متعلّقةً بهذه

(۳۴)

الأوصاف، بل متعلّقةً بأمر لا یکون مبینا فی زماننا هذا إلاّ ما قیل فی تمایز الغناء والصوت الحسن فیما سبق.

فخلاصة الکلام أنّ تحریم الصوت مطلقا موجبا لنقض الغرض فی الخلقة، وعدم الحرمة مطلقا نقض لأصول الشریعة، ودلیل حرمة الصوت تحت عنوان الغناء مجمل أو مخدوش، وحرمة الغناء والصوت اللهوی کانت بالنسبة إلی أصل الکیفیة فیه؛ لا من جهة الکلمات، والخلط فی هذه الجهة من البعض عجیب، وکاشف عن عجزهم تشخیص الأمر فی الغناء، ویمکن أن یکون الغناء فی زمن الروایات من ألحان أهل الفسوق والعصیان ولم یوجد فی ما بین المؤمنین وکانوا ملامتین فی هذه الأزمان لغلبة اولیاء الشیطان فی الأمر عدم الإجمال فی معنی الغناء فی زمن المعصومین کان لهذه الجهة وإجماله فی زماننا هذا أیضا کان لوجود القسمین من الصوت والاختلاط فیه، ولهذا صار الغناء فی الآن مجملاً عند العامّة من العلماء ورفع الإجمال بما قلنا فیه: من أنّ الصوت المغفلة عن الحقّ والمعدّة للباطل کان لهوا وغناءً وحراما.

,