۱۳۹۵-۰۲-۲۰

التعلیقة علی المکاسب المحرّمة

 

اللعب واللهو واللغو

اللعب ما لا یجدی به نفع وما لا یعنی فیه، ودائرة شموله واسعة بالنسبة إلی جمیع الأطفال والنساء وسائر الأفراد العادیة طبعا واقتضاءً، ومفهوم اللعب وماهیته کان من المفاهیم التی «ما فیه ینظر» عین «ما به ینظر»؛ أی: غایة الفعل مطویة فی عمل الفاعل، ولا غایة وراءه للفاعل، ولا یکون فیه شیئا غیره، ولا یختصّ بالأطفال والنساء؛ وإن کان ظهوره فیهما وفی الأفراد العادیة أکثر.

وکان فی زماننا هذا للعب أقسام کثیرة ولو کان لکثیر منها قواعد وموازین دقیقة فی حدّ العلوم والفنون المتعارفة، وجُعل لکثیر منها غایات معقولة وعالیة، والغایات وإن کانت حقیقةً وجِدّا ولکن الاستعمار فی زماننا هذا جعل فی مطاوی هذه الغایات والأمور أغراضا خبیثةً من قبیل انحراف الخلق وانصرافهم عن المبادی

(۲۳)

العالیة والغایات المهمّة التی هی من شؤون الإنسان، کما قال اللّه تبارک وتعالی فی حقّه: «فتبارک اللّه أحسن الخالقین»(۱).

واللهو هو الاشتغال بالباطل، الذی ینصرف المشغول به عن الحقّ وکان انصرافه عن الحقّ بسبب الاشتغال بهذا النوع من الباطل، واللهو وإن کان کثیرا مقارنا باللعب ومتّحدا معه ولکنّه یتمایز عنه فی أنّ اللهو یمکن أن لا یکون فیه لعب، وأنّ اللعب لا یکون فی ماهیته ومفهومه الانصراف عن الحقّ، وإن کان اللعب أیضا لهوا لو کان فیه الانصراف عن الحقّ.

ولا یکون فی اللهو غایة معقولة، بل فیه غایات نفسانیة أو خبیثة شیطانیة، ویمکن أن لا یری فیه اللعب ظاهرا وإن کان فی الحقیقة لعبا ولغوا أیضا، غایة اللعب هی نفس اللعب، ولکنّ اللغو فیه غایة زائدة من اللهو، وهی الباطلة المتّحدة بالإرادة النفسانیة الضعیفة أو الخبیثة، وکلّ واحد من اللعب واللهو لا یکون مناسبا لشأن الإنسان، لأنّ الإنسان؛ أفضل وأشرف من أن یشتغل بهذه الأمور الواهیة والحال أنّ کلّ واحد من اللهو واللعب یحکی عن البطالة والخباثة، وإن کان اللهو أخبث من اللعب، واللاهی أیضا أخبث من اللاعب، وإن کان کلّ واحد من اللاهی واللاعب من شأنهم الغفلة.

واللغو هو الباطل، وکان ممّا لا یجدی به نفع، وکان صارفا عن

۱- المؤمنون / ۱۴.

(۲۴)

الحقّ، ولا یکون فیه نفع ولا ضرر أیضا زائدا عن کون نفسه ضررا.

واللغو ربّما صدر من الغافل عادةً بلا تأمّل ونظرٍ، وإن کان فیه أیضا إرادة نفسانیة ولکن لا تکون هذه الإرادة عن تأمّلٍ وعنایة، وضرر اللغو کان أقل من اللعب واللهو؛ وإن کان للعب فی بعض أقسامه لکثیر من الأفراد العادیة استحسانات عقلائیة، والحال أنّه لا تکون هذه الجهة بالنسبة إلی فاعل اللغو، وأمّا اللهو فهو أشدّ بطالة من هذین.

اللغو مرض نفسانی ولازم للفرد أن یهتمّ لدفعه بأی طریق ممکن؛ والإمکان لدفعه أو عدم الإمکان فی الأفراد مربوط بنوع اللغو وطول وجوده فی الفرد وخلقیاته.

والحکمة فی حرمة اللعب واللهو واللغو علی المکلّفین هی تحکیم موقعیة شؤون الإنسان؛ لأنَّ شأن الإنسان أرفع وأشرف من أن یشتغل بهذه الأمور الواهیة والأفعال النازلة، والإسلام فی صدد ترغیب الإنسان علی الاشتغال بالأمور العظیمة والأفعال الرفیعة وصرف حیاته فی تحصیل الأفکار الدقیقه والأنظار الشریفة فی جهة الوصول إلی الغایة القصوی.

إن قلت: أنّ النفس الإنسانیة لو خلیت وطبعه تطلب هذه الأمور وکان الإنسان فی سویدا قلبه راغبا إلی هذه الأمور بالطبع؛ لو کان الإنسان فی نفسه خالیا عن الغایات والأخلاق الکسبیة والدرسیة التی أوجبت انحرافه عن حقیقة هویته وطبعه.

(۲۵)

قلت: النفس الراغبة إلی هذه الأمور الواهیة هی النفس الأمّارة، وهی نازلة من النفس الناطقة، ولیست حقیقة النفس بتمامها وکمالها فی الإنسان، لأنّ حقیقة النفس الإنسانیة لا تکون همّتها إلی تحصیل هذه الأمور الخیالیة دائمةً، فمن کان راغبا إلی هذه الأمور کانت نفسه فی سکرات الخیال وکانت حاکمیة نفسه بید النفس الأمّارة بالسوء، وهذا الأمر ناشٍ من ضعف نفسه الناطقة.

إن قلت: مع الرجوع إلی النفس بتمامها وإلی حقیقة الإنسان، یری أنَّ الإنسان مأنوس بهذه الأمور أیضا، کما أنّه راغب إلی الخیرات المعنویة والغایات الحقیقیة، ولا تُری منافاة فی نفس الإنسان فی رغبته إلیها بالنسبة إلی هذین القسمین وأنّ الإنسان فی کلّ وقت یکون مائلاً الی أمر خاصّ من الأمور العالیة أو الدانیة.

قلت: النفس فی مرتبة أمّاریته راغبة إلی هذه الأمور أشدَّ رغبةً، ولا تکون لرغبتها حدّ بالنسبة إلی هذه الأمور صورة الإمکان، ولا تری النفس مادام کانت فی هذه المرتبة وراء هذه الأمور شیئا آخر أو أقدم منها، ولکنّه لا یکون هذا دلیلاً علی خیریة هذه الأمور أو حقّیتها، بل هو دلیل علی وجودها فی النفس الإنسانیة فی مرتبة الأمّاریة، فَإنْ کان الإنسان مطیعا للنفس الأمّارة وتابعا لها صار حیوانا، ولا یبقی له شأنٌ إلاّ دنائة هذه الأمور، وأمّا إن کان الإنسان فی مقام الاقتدار والتصرّف بالنسبة إلی نفسه وکان مقتدرا فی إرادته، صار إنسانا معقولاً، وکانت الأمور الواهیة عنده مرجوحا؛ وإن لم یصر معدوما عن خاطره الشریف.

(۲۶)

إن قلت: النفس فی المرتبة الدّانیة محتاجة إلی هذه الأمور ولازم لها أن تشتغل بهذه الأمور بالجزئیة، فلا تُنکر بالجملة، قلت: نعم ولکنّ الشارع جعل لهذه المرتبة الدنیة للنفس أمورا مناسبةً لها، ولا یحتاج إلی زیادة علی ذلک، لو کان الفرد مؤمنا وسالما.

,