۱۳۹۵-۰۲-۲۰

التعلیقة علی المکاسب المحرّمة

 

المقامرة والمراهنة والمغالبة

کلّ واحدة من المقامرة والمراهنة والمغالبة غیر الأخری، وإن تجتمع کلّ واحدة منها مع الأخری، وتنفک عنها أیضا فی الخارج، ولکنّ الاجتماع فی الخارج لا یکون دلیلاً لوحدة المعنی، لثبوت الانفکاک والتمایز فی المفهوم ومعناه.

القمار هو اللعب بِآلات القمار ولو مع عدم المراهنة علیه وإن کان الغالب فیه الرهن، لکنّ الرهن غایة خارجیة للقمار، والغایة الداخلیة للقمار هی نفسیته؛ أی نفس اللعب بآلات القمار، فعلی هذا حقیقة القمار هو اللعب بالآلاته المخصوصة لنفس اللعبیة، وکان الرهن مزیدا علی تحقّق أصله. وفی الغالب یکون المقامِر راغبا وساعیا لتحصیل المنفعة من جهة الرهن الموجود فی اللعب بالآلات الموضوعة للقمار، وتکون اللذّة الحاصلة منها أکثر من اللذائذ الموجودة فی المنافع الأخری.

والدواعی فی القمار بالنسبة إلی أفراد المقامرین مختلفة، فإنّ بعض المقامرین فی صدد نفس المقامرة ولا للرهن موضوعیة عندهم، والمهمّ لبعض آخر تحصیل المنفعة منه، وکأنّه صارت

(۲۷)

المنفعة برهن القمار شُغلاً لهم. وأمّا من کان فی صدد تحصیل الرهن وحده؛ سواء کانت بآلة القمار أو غیرها، فهو لیس بداخلٍ فی إقرار المقامرین؛ لکنّه حرام من جهة تحصیل أصل المنفعة إلی صلة من المراهنة.

القمار لعب شیطانی فی جمیع جهاته وأفراده بجمیع آلاته؛ حتّی الجوز والکعاب، وهو حرام مطلقا مع العوض أو بلا عوض، واللعب بغیر آلات القمار أو اللعب بغیر آلةٍ لا یصدق علیه القمار، ولا ینصرف القمار عن نفس معنی اللفظ فی صورة عدم الرهن، لأنّ الرهن لا یکون فی ذات معنی القمار حتّی ینصرف القمار عمّا لا یکون فیه رهنا؛ لأنّ المقامرة اللعب بآلات القمار، والرهن هو غایته الخارجیة، وأمّا غایته النفسیة هی نفس اللعب بآلاته؛ ولو مع عدم الرهن، والقمار قمار لنفس اللعب بآلاته، والرهن غرض للقمار فی بعض الدواعی، فالمهمّ للمقامر عدم تعطیل اللعب بآلالة، والغایة له فیه هی نفس اللعب،الرهن ثمرة الخارجیة.

والنهی عن القمار فی جمیع مدارکه أخذ مع الآلة صریحا أو کنایةً، لأنّ عدم صدق القمار علی اللعب بغیر آلة القمار مسلَّم، وما قیل فی بعض أقسام المراهنة أنّه قمارٌ فهو من جهة مشابهته بالرهن فی القمار، فهذا الإطلاق لا یدلّ علی أنّ هذا البعض من أقسام القمار.

وعلّة الحرمة فی القمار دفع المؤمن عن الاشتغال بالأمور

(۲۸)

اللاغیة الباطلة وانصرافه عن الأشیاء الخبیثة، کما قال علیه‌السلام : «إنّ المؤمن لمشغول عن اللعب»(۱) وقال علیه‌السلام : «إذا میز اللّه الحقّ من الباطل مع أیهما تکون؟ قال: مع الباطل»، قال علیه‌السلام «ما لک والباطل؟»(۲)، ولا فرق من هذا الحیث بین وجود الرهن فیه وعدمه.

المراهنة هی اللعب بغیر آلات المعدّة للقمار مع الرهان، کإظهار القدرة والتفوّق والتفاخر علی الغیر بالأعمال الغیر العادیة والإفراطیة کالأمثلة الموجودة فی الکتاب ـ المکاسب المحرّمة ـ والحرمة فیها مسلّمة أیضا ولو أنّها لیست من أفراد القمار، وإلحاقها بالقمار من جهة مشابهتها به بالرهن لا یصیرها قمارا وإن کانت شبیهةً به من جهة وجود الرهن، ولکنّ الفرق بینهما واضح فی أصل المعنی ونوع اللعب.

فالحرمة فی المراهنة بجهة الرهان وحده؛ لأنّها من أفراد الباطل مستقلّةً عن موارد اللهو والغفلة.

والمقامرة لیست هی المغالبة مع الرهان، لأنّ المقامرة والمغالبة والرهان أمور مختلفة متفاوتة؛ وإن کان من الممکن اجتماعها خارجا، فالمقامرة غیر المراهنة، وهما غیر المغالبة، ولا یکون الترکیب بینهنّ دلیلاً علی وحدة المصداق فیها.

۱- محمّدبن حسن الحرّ العاملی، تفصیل وسائل الشیعة، ج۱۷، قم، مؤسسة آل‌البیت علیهم‌السلام ، الطبعة الثانیة، ۱۴۱۴ق، ص۳۲۰.

۲- الوسائل، ج۱۷، ص۳۲۴.

(۲۹)

أمّا المغالبة بغیر عوض فی غیر ما نُصَّ علی جواز المسابقة فیه، فهی أیضا محرّمة؛ لا من حیث أنّها قمار أو من حیث أنّها تکون مع الرهان، بل من جهة الخصوصیة الموجودة فیها، وهی الغلبة فی الأمور الواهیة التی لا تکون مناسبا لشأن الإنسان المؤمن.

والنرد والشطرنج فهما من آلات القمار، وکلّ واحد منهما حرام؛ سواء کانا مع الرهن أو بلا رهن؛ لأنّهما من اللعب والباطل، ویلهی المؤمن عن ذکر اللّه، والملهی عن ذکر اللّه فهو باطل.

وجمیع المغالبات فی هذه الأمور الباطلة المحرَّمة باطلة، والعوائد منها أیضا کذلک.الأوهام الداعیة فی لسان العقل والعقلاء فی بعض هذه الأمور مثل الشطرنج وغیره أو الخواصّ الروحیة لها أو دخولها فی العلم والأدب، کلّها أمور خیالیة أو ضالّة مُضلّة، ولیس للعاقل أن یرکن إلیها. وترویج هذه الأمور کانت من جانب أیادی الباطل والأفراد المعیوبة من جهة المشاعر الحقّیة. ولو کانت هذه الأمور الواهیة ملاکا لحلیة أمر لکان من الممکن أن یحلَّل جمیع المحرَّمات بمناطاتٍ واهیة ویدخَل فی العلوم الحدیثة؛ لأنّ المفاسد الموجودة الیوم کانت جمیعها تحت ضوابط دقیقة وموازین عمیقة وأسالیب حدیثة وکانت لبعضها مدارسة تعلیمیة وکانت لترویجها نظامات واسعة، وأعوذ باللّه من همزات الشیاطین، وأتوکل علی اللّه فی دفع المفاسد الفکریة عن مجاری الذهن وعیون الباطن، إن شاء اللّه تعالی.

(۳۰)

,