۱۳۹۵-۰۲-۲۱

التمهید فی شرح قواعد التوحید : الفصل الثانی فی الإنسان الکامل

 

الوصل الثالث والخمسون

فی دفع ما تتضمّنه الشبهة الأولی

قال:

«ولابدّ أن یراد بحقیقة الحقّ وصورته، الوجود المتعین بسائر التعینات؛ التی بها یکون مصدرا لجمیع الأفعال الکمالیة وجملة الآثار الفعلیة. ولا شک أنّ الإنسان من حیث هو حاصر لجمیع القوابل العلویة والسفلیة والروحانیة والمثالیة والطبیعیة الجسمانیة علی سبیل الجمع والترکیب والامتزاج الحقیقی، فهو بهذه الحیثیة إنّما یصحّ أن یصیر مَظهرا لتلک الصورة بذلک الاعتبار والحیثیة المذکورة علی سبیل الجمع والترکیب الحقیقی.

فلئن قیل: إنّ الوجود المتعین بجملة التعینات الانفعالیة لا یغائر حقیقته وصورته بالحقیقة، وحینئذ یرتفع الفرق بین الظاهر والمظهر، علی أنّ جعل الحقیقة المتعینة بالتعینات الفعلیة صورة له، دون الحقیقة المتعینة بالتعینات الانفعالیة، مع أنّه من التحکمات الباردة، یستلزم خلاف ما ذهبتم إلیه، فانّ صورته حینئذ لیست الحقیقة الجامعة لسائر التعینات؛ بل هی الحقیقة المتعینة ببعض التعینات.

قلنا: إنّ الحقیقة المأخوذة بالتحقّقات والوجوه الوجوبیة والاعتبارات الشریفة التی بها یتحقّق الحقّیة والعلیة، غیر الحقیقة المأخوذة بالوجوه الإمکانیة التی بها یتحقّق الخلقیة والمعلولیة. علی أنّ حقیقة الحقائق الحقیة لا تغائر حقیقة

(۲۲۵)

الحقائق والتحقّقات والتعینات الخلقیة من جهة الحقیقة المطلقة ، فتلک الحقیقة ببعض الاعتبارات هی الباطنة، وببعض الاعتبارات هی الظاهرة، وببعضها هی المَظاهر، وببعضها هی المَکامن ، والکلّ واحد من جهة الحقیقة المطلقة والذاتیة الغیر المقیدة ولیس بواحد من جهة الإضافات والنسب الاعتباریة».

أقول:

هذا جواب الشبهة الموردة فی نفی المَظهریة مطلقا(۱)، وذلک إنّما یتحقّق بعد تمهید مقدّمة، وهی أنّ الحقیقة المطلقة التی هی حقیقة الحقائق لظهورها بالتعین الأوّل واقتضاءها الوحدة الذاتیة، قد اندمجت فیها الکثرة، فلا ظهور حینئذ للأسماء المشعرة بالکثرة من أنواع المتقابلات، کالظاهریة والمظهریة والحقیة والخلقیة، فلا تنسب إلیها الصورة حینئذ، ولا غیرها من الأسماء المتقابلات أصلاً.

ثمّ إذا ظهرت فی التعین الثانی، وتمایز العلم من الوجود، والظاهر من الباطن، وانفصل قوس الوجوب عن قوس الإمکان، حینئذ ظهرت المتقابلات من الأسماء، وتمایزت الحقیة من الخلقیة، والظاهریة عن المظهریة، فحینئذ یمکن أن یطلق علیها إسم الصورة.

إذا تقرّر هذا، فنحن نقول: نختار من صور التردید التی بینها السائل وبنی علیها الشبهة أنّ صورة الکلّ وحقیقته هو الوجود المتعین بسائر التعینات التی بها یکون مصدرا لجیمع الأفعال وجملة الآثار الفعلیة.

لا یقال: فحینئذ، لا یکون هذا الوجود متعینا بسائر التعینات؛ بل بالتعینات

۱ـ وقد تقدّم فی الوصل السابع والأربعین.

(۲۲۶)

الفعلیة منها، فیکون متعینا ببعض التعینات وقد أبطلته البراهین السالفة، کما سبقت الإشارة إلیه، ولا تکون الصورة أیضا صورةً للکلّ؛ بل إنّما تکون صورةً للبعض فقط.

لأنّا نقول: إنّ سائر التعینات مندرجة فی هذه الصورة، فتکون صورةً للکلّ حینئذ، فإنّ تعین جمیع الأفعال الکمالیة وجملة الآثار الفعلیة داخلة فی تلک التعینات المتعینة لتلک الصورة، حسب ما أشار إلیه المصنّف، لکن من حیث الفعل لا من حیث القبول.

وتحقیق هذا الکلام أنّ سائر التعینات اللاحقة للوجود من الفعلیة والانفعالیة متّحدة بالذات والحقیقة، لکن متمائزة بالاعتبار فقط، وذلک؛ لأنّ الأفعال الکمالیة والآثار الفعلیة المذکورة التی یعتبر صدورها من المبدء لابدّ من حصول نسب هیهنا بینها وبین المبدء، فإن اعتبر عروض تلک النسبة له ولحوقها إیاه تسمّی بالتعینات الفعلیة، والوجود الملحوق لسائر التعینات بهذا الاعتبار هو صورة الکلّ والظاهر، وإن اعتبر عروضها للأفعال والقوابل ولحوقها إیاها فالوجود الملحق لسائر التعینات بهذا الاعتبار ، هو صورة المَظهر القابل والإنسان الکامل.

فظهر من هذا أنّ الإنسان من حیث هو حاصر لجمیع القوابل العِلویة والسفلیة من الروحانیة والمثالیة والطبیعیة الجسمانیة بجملتها وأحدیة جمعیتها علی سبیل الجمع والترکیب والامتزاج الحقیقی، فهو بهذه الحیثیة إنّما یصلح أن یصیر مظهرا لتلک الصورة بذلک الاعتبار، والحیثیة المذکورة بجملتها وأحدیة جمعیتها علی سبیل الجمع والترکیب الحقیقی الامتزاجی.

فلئن قیل: إنّ الوجود المتعین بجملة التعینات الانفعالیة حسب ما قلتم، لا یغایر حقیقته وصورته بالحقیقة، وحینئذ یرتفع الفرق بین الظاهر والمَظهر، فلا

(۲۲۷)

یکون الظاهر ظاهرا، ولا المَظهر مَظهرا، علی أنّ جعل الحقیقة المتعینة بالتعینات الفعلیة صورة الکلّ دون الحقیقة المتعینة بالتعینات الانفعالیة، مع أنّه من التحکمات الباردة، یستلزم خلاف ما ذهبتم إلیه من جامعیة الحقیقة المطلقة لجمیع التعینات، فإنّ صورته حینئذ لیست الحقیقة الجامعة لسائر التعینات؛ بل هی الحقیقة المتعینة ببعض التعینات.

قلنا: إنّ الحقیقة فی حضرة التفصیل المأخوذة بالتحقّقات والوجوه الوجوبیة والاعتبارات الشریفة التی بها تتحقّق الحقّیة والمبدئیة، غیر الحقیقة المأخوذة بالوجوه الإمکانیة التی بها تتحقّق الخلقیة والمعلولیة من الاعتبارات الخسیسة، فعلم أنّ ذلک الجعل والتخصیص لیس من التحکمات الباردة.

وأمّا ما قیل: من عدم جامعیة الصورة المذکورة واستلزامه خلاف ما ذهبوا إلیه، فلیس کذلک، فإنّ ما ذهبوا إلیه من الإطلاق والجامعیة المذکورة إنّما هو فی حضرة الجمع الذی هو حقیقة الحقائق، ولا تفصیل هناک أصلاً، فإنّ حقیقة الحقائق لا تغایر الحقائق الخلقیة من جهة الحقیقة المطلقة الجامعة، کما سبق آنفا. فتلک الحقیقة ببعض الاعتبارات هی الباطنة، وببعض الاعتبارات هی الظاهرة، وببعضها هی المظاهر، وببعضها هی المَکامِن، والکلّ واحد من جهة الحقیقة المطلقة والذاتیة الغیر المقیدة، ولیست بواحدة من جهة الإضافات والنسب الاعتباریة التی حصلت لها فی حضرة التفصیل، کما مرّ تحقیق بعض تلک التحقیقات وتفصیل أسمائها شرعا وعرفا فی المقدّمة، فلیتذکر.

(۲۲۸)