۱۳۹۵-۰۲-۲۰

الغناء والرقص

 

دلائل الحلیة

وممّا یجب أن یعلم بعد هذا أنّ کلام البعض من عدم الحرمة فی الصوت والغناء فی أی قسم منه أصلاً وکانت الحرمة من جهات الخارج العارض علی الصوت والغناء کلام متین وإن کان فیه بعض المشکلات؛ لأنّ الجهات الخارجیة التی تعرض علی الغناء أمور أخر وراء الحرمة التی تعرض علی نفس الصوت والغناء المفسد، ولابدّ من تحقیق هذا القول

(۲۹)

فی جانب الحلیة مقابل للکثیر فی جانب الحرمة.

وفی الختام لابدّ من تحلیل الأدلّة المنقولة من جانب أولیاء الدّین علیهم‌السلام علی نحو أبسط ووجه أسدّ فی جانبی الحلّ والحرمة، وأیضا لابدّ فی التذکار من بیان التحلیل من جانب العقل فی هذا الوصف الموجود فی الإنسان والحیوان.

وهو أنّ الصوت کمال حقیقی وصفة طبیعیة فی الإنسان والحیوان، وهو موهبة إلهیة أوقعها اللّه فی طبیعتنا وفی طبیعة سائر الحیوانات، وهو مشوّق ومونس للإنسان والحیوان فی الأوقات الخالیة والأیام المختلفة فی جهات مختلفة.

وهو أحد العوامل الجاذبة التی یحتاج الإنسان إلیه فی مواقع کثیرة، وهذا الأمر أصل ثابت لا یمکن إنکاره أصلاً، ولا یمکن المقابلة له أبدا من أی جانب کان؛ لأنّه وجدانی، وله المناط فی جمیع المواضع الرئیسیة من الشرع والعقل کسائر الأوصاف الإنسانیة والحیوانیة والاجتماعیة

(۳۰)

الاعتباریة النفس الأمریة؛ مثل البیع، إلاّ أنّ الشارع تصرّف فی خصوصیاته وجهاته و قال:

«أحل اللّه البیع وحرّم الربا»(۱)،

کما فی المقام، فهو یقول: الصوت الحسن کذا وکذا، ولکنّ الصوت المخرّب الذی یکون سبب الغفلة والفساد منهی عنه، وهو للشرع ممکن، ویؤیده العقل السلیم الذی لا یشوبه الفساد، والشاهد لهذا البیان منقولات شرعیة فی المقام یؤید الصوت الحسن بألوان البیان، وتنهی عن الصوت المخرّب والباطل بأشدّ المنع و الإنکار، ولهذا یذکر فی المقام نبذة من هذه المنقولات الشرعیة مع تحلیلاتها بالإجمال والخلاصة فی جانبی الحلّ والحرمة.

منها: «أنّ القران نزل بالحزن، فاقرؤوه بالحزن»(۲).

الحزن فی الصوت الملامة، والرقّة هی علّة للطّرب وسبب لإیقاع الکلام فی القلب، وهو؛ أی:

۱ـ البقرة / ۲۷۵.

۲ـ الکافی، ج۲، ص۶۱۴.

(۳۱)

الحزن أحد مصادیق الصوت الحسن فی الأوزان الحزنیة الدارجة الفنّیة.

والحزن بالقران، مضافا إلی أنّه غذاء للروح، یکون سبب وقوع المعانی الحقیقیة فی القلب وینکشف من الکیفیة الحزنیة فی النزول، وأنّ هذا النحو من النزول کان نفسه غذاءً للموجودات السماویة الروحانیة.

وهذا الأمر لا یختصّ بالقران فقط، بل الأمر کذلک فی التوراة والإنجیل وسائر الکتب السماویة، کما قال اللّه تبارک وتعالی علی حسب النقل لموسی:

«یا موسی، إذا قرءت التوراة، فاقرءها بصوت حزین».

فکان سبب الأمر بالحزن لجلب روح موسی و سائر قلوب المؤمنین.

ولا یختصّ هذه الآثار فی الحزن بالقران وسائر الکتب السماویة، بل کانت الآثار من نفس الصوت الحزین ـ وإن کان القران أوقع فی القلوب والأرواح.

(۳۲)

منها: ما ورد فی شأن موسی بن جعفر علیه‌السلام : «أنّه إذا قرء القران فکأنّه یخاطب إنسانا؛ یعنی أنّه إذا قرء القران قرءه بالحزن والترتیل وبالمداحة والشور».

ولا یمکن هذا الحال إلاّ بالصوت الحسن والترجیع والترتیل والطرب والمدّ فی مواضع المخصوصة، وجمیع هذه الأوصاف والمعانی الفنیة یجعل الصوت صوتا حسنا.

منها: «أنّ من أجمل الجمال الشعر الحسن ونغمة الصوت الحسن»(۱).

الجمال کلّه وصفات الجمال جمیعها من اللّه ومنه تعالی یصل إلی الموجودات شیء منه ظلاًّ وفیئا، ومن أجملها الشعر الحسن ونغمة الصوت الحسن، وفی جمع هذین الوصفین فی المقام حکایة عن ارتباطهما فی الواقع وفی نفس‌الأمر؛ لأنّ الشعر الحسن مادّته الصوت الحسن وکلّ واحد منهما

۱ـ الکافی، ج۲، ص۶۱۵.

(۳۳)

یکمل الآخرمع‌الدقّة والاحتیاط ، بل هو روح الشعر الحسن ولبّه ومعناه.

منها: «أنّ حلیة القران الصوت الحسن»(۱).

وفی هذا البیان کان الصوت الحسن مظهرا لجمال القران، وصوت الحسن لا یتحقّق إلاّ بالترجیع والمدّ، وفی کلّ واحد منهما تلزم الموافقة للطباع والمواقعة علیها، وهذه کلّها ناشئة من العلم بالأوزان الصوتیة، ولازم هذا الصوت أیضا الطرب و السرور المعنوی للنفس.

منها: «ما بعث اللّه نبیا إلاّ حسن الصوت»(۲).

یفهم من هذا أنّ جمیع الأنبیاء کانوا واجدین للصوت الحسن وأنَّ الصوت الحسن ـ وهی موهبة إلهیة ـ أحد أوصاف الانبیاء؛ لأنّه سبب خاصّ، بل أحسن السبب فی تبلیغ الرسالة والنبوّة.

منها: ما نقل أنّ علی بن الحسین علیهماالسلام : «کان أحسن الناس صوتا بالقران وکان السقّاؤون

۱ـ الکافی، ج۲، ص۶۱۶.

۲ـ الکافی، ج۲، ص۶۱۶.

(۳۴)

یمرّون ببابه یستمعون قراءته»(۱)،

وأیضا: «أن أباجعفر کان أحسن الناس صوتا بالقران إذا قام اللیل وقرء ورفع صوته فیمرّ به مارّ الطریق من السقّائین وغیرهم فیقیمون فیستمعون قراءته».

ویفهم من هذین النقلین وأمثالهما أنّ الصوت الحسن الذی کان فی الأنبیاء یکون أحسنه فی الائمّة علیهم‌السلام ، وکان من أوصافهم أنّهم أحسن الصوت؛ منتهی الصوت الحسن وأنّهم یعملون هذا الصوت فی القران فی الأکثر، لا أنّ هذا الأمر منوط بالقران فقط.

وهذا الصوت سبب فهم المعنی فی الغیر واستقرار الحقائق فی أنفسهم الشریفة بالنسبة إلی البواطن القرانیة والرموز الإلهیة، ویقرؤون القران بأحسن الوجه وأحسن الصوت الذی یتوجّه المارّ به ویسکنه ویتوقّفه فی الطریق مع وجود الثقل الحامل

۱ـ الکافی، ج۲، ص۶۱۶.

(۳۵)

علیه؛ لأنّ هذا الصوت وهذه القراءة موهبة إلهیة ونفحة ملکوتیة ونفس روحانیة، وهل یمکن أن یتصوّر العاقل أن یکون هذا الصوت بلا ترجیع ومدّ وبلا حصول طرب رحمانیة وشوق وعشق قدسی فی السامع والمخاطب ونفس المتکلّم وغیرهم أیضا من الموجودات المرئیة وغیر المرئیة فی الأرض والسماء وفوقهما، وإنکار هذا الأمر من جمود الذهن وعدم وجود الذوق فی النفس وفقد ماء الحیاة فی القلب.

منها: «ترجّع بالقران صوتک، فان اللّه یحبّ الصوت الحسن ویرجّع فیه ترجیعا»(۱).

والأمر بالترجیع من اللّه بلسان هذا النقل حاک عن محبوبیته عنده، ولهذا یقول فی الذیل: «فإنّ اللّه یحب الصوت الحسن» ویحبّ نفسه فعله، وهو هذا المظهر الذی یکون مخلوقا له، ومن هذا یستکشف أنّ الترجیع بنفسه مستحسن ومفید، ولا یلزم هذا

۱ـ الکافی، ج۲، ص۶۱۶.

(۳۶)

بالقران فقط؛ نعم فیه یکون أفضل وأتمّ؛ لأنّ القران أحسن الحدیث، ومع الترکیب بالصوت الحسن یصیر أوقع فی النفوس ویکون إعجازه ملموسا ومحسوسا للجمیع بشرط الحیاة الروحیة .

منها: «أنّه اذا سئل المعصوم أنّ الرجل لا یری أنّه صنع شیئا فی الدعاء أو القران حتّی یرجّع صوته ؟ فقال الإمام علیه‌السلام لا بأس به؛ أنّ علی بن الحسین علیهماالسلام کان أحسن الناس صوتا بالقران، فکان یرجّع صوته حتّی یسمعه أهل الدار».

یفهم من هذا النقل مضافا إلی أنّ الصوت الحسن والترجیع والمدّ لا إشکال فیه، أنّه فعل مستحسن مطبوع، ومعین مشوّق للنفس فی العروج مع الکمال بالحال فی العبادة والمناجاة فی الخلوة والجلوة، وتأیید فعل السائل بعمل الإمام أقوی شاهد علی طباعة هذا الأمر فی الإنسان.

منها: «أنّه سئل عنه عن الغناء فی الفطر

(۳۷)

والأضحی والفرح ؟ قال: لا بأس به ما لم یعص به»(۱).

یفهم من هذا البیان أنّ الغناء کما یستعمل فی الصوت الباطل کذلک یستعمل فی الصوت الحسن والمباح، ومراده منه الصوت الحسن قطعا، ولا یمکن أن یراد منه الصوت المفسد؛ لأنّه بنفسه معصیة، ولا یحتاج إلی الخارج لتحقّق العصیان به، ویفهم منه ایضا أنّ الصوت الحسن والفرح والطرب إلی صفاءٍ منه الذی یکون منّة من اللّه وعین لتصفیة الباطل ودفع مضارّ النفس وحصول القرب المعنوی، ولا إشکال فیه، بل مستحسن ومحبوب فی نفسه، ویفهم منه أیضا أنّ الإشکال فیه یکون من خارج الصوت، ویمکن أن یرض الحرام علیه بالعرض.

منها: «أنّه سئل رجل عن علی بن الحسین علیه‌السلام عن شراء جاریة لها صوت ؟ فقال: ما علیک لو اشتهیتها، فذکرتک المحبّة»(۲).

 

۱ـ الوسائل، ج۱۲، ص۱۵، باب ۱۵ من أبواب ما یکتسب‌به،ح۱۵.

۲ـ من لا یحضره الفقیه،ج۴، ص۶۰.

(۳۸)

یفهم من هذا البیان أنّ الحرمة فی المغنّیة کانت فی المغنیة الفاسدة أو الموجبة للفساد والرذیلة والمعاملة للصوت اللهوی أو الأعمال الفاسدة الأخری لا نفس الصوت الحسن الذی یکون فیها، ولهذا قال علیه‌السلام : لابأس به إن کان کذا وکذا، ولها أن تعمل بنحو الحرام وبنحو الحلال کما فی مطلق الصوت من الحسن واللهوی، ولا فرق فی المغنّی والمغنیة وغیرهما من هذه الجهة.

والمراد بالجنّة الأفعال الموجبة للشوق والطرب المعنوی للنفس أو المستحسنات والمباحات والأصوات المقوّیة للروح والمشوّقة إلی الکمال، وکان الصوت الحسن أحد أسبابه، وفی المرءة المغنّیة المجلّلة من حیث نفسها وصوتها بطریق أولی وأشدّ؛ لأنّها مع صوتها مشوّقة للإنسان الصالح السلیمة النفس أن یمیل إلی النشأة الروحیة الأخرویة والکمال النفسانی والأحوال المعنویة التی تکون فی استعداد الإنسان، بل الحیوان أیضا یمکن له أن یحصّل بعضها علی سبیل الطباعة والودیعة.

(۳۹)

هذا حال المنقولات المحلّلة، وما یفهم من جمیعها والمنقولات المحرّمة أیضا یؤید هذا المعنی؛ لأنَّ فی جمیعها لسان الشدّة والحرمة والبغض بالنسبة إلی الصوت المفسد والباطل الذی کان غیر الصوت الحسن المحلّل؛ فلا تعارض بینهما أصلاً.

,